‘رومينا’ لنبيهة عبد الرازق عودة إلى الرواية الرومانسية

تعيدنا رواية ‘رومينا’ لنبيهة عبد الرازق إلى زمن الرواية الرومانسية الجميلة التي كانت سائدة قبل عقود من الزمن، وغدت نادرة جداً؛ لاختلاف الظروف والأحوال، وتغير الحياة الاجتماعية برمتها. وتبدو الرواية الرومانسية غريبة في هذه الأيام، ولكن في محاولة لتعرف زمان الرواية، يبدو أنه يعود إلى ما قبل عقدين على الأقل، بدليل عدم وجود ذكر لأي تقنية اتصالات حديثة مثل الخلوي والإنترنت وحتى الحاسوب، ولعل هذا يبرر ـ زمانياً- ميل الرواية إلى الرومانسية.
تتناول الرواية قصة حب بين طالبة جامعية وأستاذها، واستمرت هذه العلاقة بعد تخرجها. ثم انقطعت لأسباب توردها رومينا، ثم اكتشفت فيما بعد أنها كانت متسرعة، وأخطأت في تفسير الأحداث. وعلى الرغم من ذلك، بقيت تنتظر أن يعود يوماً. وعندما عاد الأستاذ بعد غياب طويل، لم تجد في نفسها ذلك الاندفاع المتوقع، ولا العاطفة المشبوبة، وتدخل العقل، ليرسم الطريق من جديد. ويلاحظ القارئ أنه على الرغم من علاقة الحب العميقة المتبادلة بين الطرفين، إلا أنها كانت علاقة هادئة عقلانية.
واللافت في رواية ‘رومينا’ انها اعتمدت كثيراً على الرواية التي كتبها أستاذها عن قصة حبهما كاعتذارية، فتنقل لنا بعض الأحداث، والتفسيرات، والمواقف والمشاعر والعواطف من الرواية، في تمازج رائع بين الروايتين، يسجل للكاتبة، التي وفقت في ذلك بامتياز.
الموضوع الآخر الرئيس في الرواية هو العلاقة القوية بين رومينا ووالدها، علاقة الحب العميق، والثقة، والصداقة. ومن سخريات القدر أن يعود إليها حبيبها في أثناء مرض والدها، وتراه لأول مرة بعد غيابه عندما جاءها معزياً في وفاته. لكأن الأيام تأخذ واحداً وتعوضها بآخر، خاصة وأنها بقيت وحيدة مع مربيتها وحيدة، وغياب أخيها الوحيد في أمريكا حيث يقيم هناك.
اعتمدت الرواية بشكل كبير على السرد من خلال رومينا، الشخصية الرئيسة في الرواية، واتكأت كثيراً على المونولوج، وسرد الأحداث برؤيتها ومشاعرها وأحاسيسها بلغة شعرية، وذلك بتفصيل دقيق يرسم مشاهد حية جميلة.
حملت الرواية عنواناً كلاسيكياً ‘رومينا’، وهو اسم بطلة الرواية، وشخصيتها الرئيسة، على غرار كثير من الروايات الرومانسية. وفي تعليل سبب تسمية البطلة بهذا الاسم، يأتي تفسير ذلك في نهايات الرواية، حيث طلبت ‘رومينا’ الإيطالية من الجد عندما فشلت محاولتهما للزواج، أن يسمي ابنته باسمها، ويبدو أنه لم يرزق ببنات، فسمى حفيدته بهذا الاسم وفاءً لها.
يؤخذ على الرواية إن كان هذا مأخذاً- مثاليتها الزائدة المبالغ فيها، فكل شخوص الرواية مثاليون دون مثالب أو سلبيات، ابتداء بالأب الرائع، والأطباء المخلصين، والصديقة إيناس التي لا مثيل لها، والمربية وحيدة التي تسهر على راحتها، والحبيب الأستاذ الجامعي الذي ظهر نموذجياً جداً، والأهل والجيران في أرض الوطن، وتنسحب المثالية على الأحداث، فلا تكاد تجد حدثاً يجرح أحداث الرواية إلا موت الوالد الذي كان متوقعاً على كل حال. وهذه المثالية على الرغم من جماليتها إلا إنها لا تعطي صورة حقيقية للحياة، وتدخلنا في قوالب أفلاطونية أقرب إلى الخيال.
وثمة ملاحظة أخرى تتعلق بالوطن، فكما يبدو من الرواية فهو فلسطين المحتلة، ولكن سياق الأحداث، والسفر إليه بالطائرة، يربك القارئ، إلا إذا كان السفر من بلد غربي، وهذا ما لا تشير إليه سياقات الرواية. ولذا فإنه من الضرورة وضوح المكان والزمان تصريحاً أو تلميحاً؛ لأنهما يعينان على توضيح بعض الأمور التي قد تخفى على القارئ، وتجعل الرواية أكثر ألفة وحميمية.
وبعد، فإن ‘رومينا’ (دار فضاءات، عمان، ط1، 2011، 165 صفحة)، رواية جميلة فرضت نفسها واحترامها لجمالها، ولغتها الفاتنة المتينة، وصياغتها المحكمة، وأسلوبها المتقن، المنسوج بحرفية على الرغم من أنها العمل الأول للكاتبة. وتعد بأعمال أخرى أجمل، ويؤكد ذلك الدكتور سليمان الأزرعي في تقديمه للرواية بقوله: ‘إن الكاتبة تمتلك كل الأدوات اللازمة لخوض التجربة ومتابعتها، وإنني أؤكد بكل مسؤولية نقدية أن أعمالاً قادمة ستحمل معها كل النجاحات الإبداعية.’ وإنا لمنتظرون.
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية