الرباط – «القدس العربي»: أثارت دعوة رئيس الغرفة التشريعية الثانية في المغرب إلى قيام «السلطة الخامسة» والتخلي عن الانتخابات والشرعية الانتخابية «لأنها تكبح التطور»، ردود فعل عنيفة في الأوساط السياسية المغربية التي ترى في الدعوة محاولة للإنقلاب على الديمقراطية.
وقال حكيم بن شماس رئيس مجلس المستشارين والزعيم الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة (ليبرالي مثير للجدل)، أول أمس الاثنين، في مقال تحت عنوان «السلطة الخامسة»، أن حزبه قادر على طرح سؤال «هل يستقيم كبح، ورهن إمكانات التطور الوطني باسم «شرعية انتخابية»، هي في الواقع ليست شيئا آخر غير «شرعية « قاعدة انتخابية لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً لمجتمع يريد أن يتقدم إلى الأمام؟».
وينتخب مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية) بشكل غير مباشر، من ممثلين عن المنتخبين في الجماعات المحلية والنقابات والهيئات.
وقال بن شماس «إن التحليل المعمق للتحولات الديموغرافية والثقافية والسياسية الجارية في بنية المجتمع المغربي في ارتباطها بمتغيرات البيئتين الجهوية والدولية تتيح الوقوف على حقيقة تفقأ العين، إذ يمكن الجزم بأن ثمة «سلطة خامسة» قيد التشكل والتبلور، وهي في طريقها إلى أن تصبح سلطة قائمة بذاتها، لا تزاحم السلطات الأربع المعروفة فقط، بل وتفرض عليها – جميعها – قائمة أولوياتها وجدول أعمالها». ويميز هذه السلطة الناشئة «أساس تشكلها وقاعدتها العريضة، حيث إن حوالي 15 أو 16 مليونا من المواطنين المرتبطين بشبكة الأنترنيت، وهم في غالبيتهم الساحقة، حسب دراسات موثقة لمؤسسات وطنية، من فاقدي الثقة في الأحزاب والنقابات والبرلمان والحكومة، يجدون في العالم الأزرق، وفي منتديات التواصل الاجتماعي خصوصا، فضاءات مفتوحة للتعبير عن تطلعاتهم وانتظاراتهم».
وهو يعتقد «أن من حق الأصوات المجتمعية المعارضة والمعارضة المؤسساتية كامتداد لتلك الأصوات المعبرة عن نفسها في صيغة «سلطة خامسة»، تجريب الإمكانات الدستورية المتاحة، كما من حقها بل ومن واجبها أن تطرح على أجندة الحوار الوطني مسألة معالجة «الكوابح» الموجودة في الوثيقة الدستورية نفسها».
وقال: «إن الحفاظ على المكتسبات الكبيرة التي حققتها بلادنا واستثمار الإمكانات الواعدة التي تتوافر عليها يستوجبان الاشتغال على تحويل التحديات التي نواجهها إلى فرص.. لذلك، بات من المطلوب اليوم، وباستعجال، إعادة تصويب الفعل السياسي والمؤسساتي باتجاه إعطاء دفعة أقوى لقطار الإصلاح وإعادة ضخ الدماء في شرايين الوعد الدستوري بما يضمن الإقلاع السياسي والاقتصادي والمجتمعي المأمول والذي يشكل إحدى الأولويات القصوى لحزب الأصالة والمعاصرة ومعه كل من يعنيه «إنقاذ الوطن»، و»تحرير» طاقاته المهدورة والمكبلة جراء حالة الحجز والرهن والوهن المفروضة عليه باسم شرعيات زائفة».
وقالت آمنة ماء العينين، القيادية في حزب العدالة والتنمية، المرجعية الإسلامية والحزب الرئيسي في الحكومة انه «غريب أمر سياسي حزبي يعتبر الشخصية البروتوكولية الرابعة في البلد من خلال ترؤسه لمجلس منتخب باعتباره شخصا منتخبا، ثم ينعت الشرعية الانتخابية – فقط لأنها لم تحمل حزبه لرئاسة الحكومة رغم كل الخسائر الديمقراطية التي تكبدها المغرب لأجل ذلك – ينعتها بالشرعية الزائفة، ثم يعتبر أن شرعية الحزب الأول هي في الحقيقة شرعية منقوصة لأنها لا تمثل إلا شرعية قاعدة انتخابية ضئيلة».
واعتبرت أنه اذا كانت حقيقة شرعية الحزب الأول منقوصة بناء على نتائجه الانتخابية، فإن شرعية بنشماس وحزبه ستعتبر بمنطق رياضي بسيط منعدمة تماما، باعتبار أن قاعدته الانتخابية – خاصة إذا ما احتسبت خارج «الدوباج»- أكثر ضآلة من قاعدة الحزب الأول.
ووجهت ماء العينين انتقاداً شديد اللهجة لرئيس مجلس المستشارين، معتبرة أنه وبناء على منطقه «سيحق للجميع أن يتساءل: بأي صفة يخاطبنا هذا الرجل الطاعن في الشرعيات الانتخابية من أعلى منصة مؤسسة منتخبة؟ خاصة إذا ما استحضرنا «تكرديعته» (سقوطه) الشهيرة في حي يعقوب المنصور على يد شباب يافعين من الحزب الذي خلّف لديه – ولسوء حظه – عقدة الانتخابات، فجعل من نفسه أضحوكة عالمية يصلح التنذر بها في باب النكت السياسية: رجل يترأس مؤسسة منتخبة ثم يطعن في شرعية الانتخابات ويعتبرها شرعية زائفة وكابحة».
وخاطب رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين نبيل الشيخي، بنشماش «أنكم بصدد الانتقال من منطق التحكم، الذي رافق نشأتكم الأولى، إلى منطق الدعوة الصريحة للانقلاب على الديمقراطية، وهي خطيئة جديدة لن يغفرها لكم الشعب المغربي، الذي يميز جيداً بين شرفاء السلطة الخامسة، وانتهازيي الطابور الخامس».
ووصف في تدوينة له، نشرها في حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، خرجة بنشماش بالهواجس المتهافتة، أن «الزعيم الجديد لحزب خرج لتوه فاشلاً من تجربة التحكم، التي لفظها المغاربة في محطات، واستحقاقات، استعمل فيها هذا الحزب كل الوسائل غير المشروعة، التي لا تزال تحتفظ بها ذاكرة الشعب المغربي، فلا يمكنك، في مثل هذه الحالة إلا أن تستغرب من الجرأة والخلفيات، التي تدفع أمثال هؤلاء إلى التطاول على أسس، ومنطلقات، ومرجعيات في متن الدستور، تشكل أساس البناء الديمقراطي».
واعتبر الشيخي أن الخرجات المتتالية للزعيم الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة، تنم عن فشل في نقد ذاتي للحزب، «اليوم تؤكدون مرة أخرى، بعد فشل مشروعكم التحكمي، الذي اشتغلتم في إطاره لأزيد من عشر سنوات، وبعد فشلكم في ترميم حزبكم على أسس متينة، وعدم قدرتكم على النقد الذاتي والقيام بالمراجعات الحقيقية، وبعد شعوركم بالعجز، والتوجس من المحك الانتخابي من الآن، (تؤكدون) أنكم بصدد البحث عن مداخل جديدة لضمان مكانة جديدة لكم في المشهد السياسي، ولو اقتضى الأمر في نظركم الانقلاب على الأسس التي ترتكز عليها الديمقراطة».
وانتقد محمد خيي الخمليشي، النائب البرلماني تصريحات حكيم بن شماش واعتبر في تدوينة له على جداره في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن «مسار التراجعات يأخذ اليوم منعطفاً جديداً ، فالمطالب الديمقراطية لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي ولد من علاقة غير شرعية بين السلطوية ونخب فاشلة تجاوزت سقف انتظارات من سَخّروه في بداية الأمر، لمواجهة ما سمّاه بنشماس بالاسلام السياسي».
وأكد أن «بنشماس، سائق الجرار (رمز حزب الاصالة والمعاصرة) بدون رخصة قيادة طبعا، لا يخفي حنقه وضيقه الشديد، حتى من استمرار تواجد حكومة يتمثل فيها حزب العدالة والتنمية على استحياء». وفي «نظر الزعيم بنشماس، اعتماد الشرعية الانتخابية في تشكيل الحكومة، هي من العوائق والكوابح الموجودة في الوثيقة الدستورية، وعليه يرى أن لحزبه الجرأة، في المطالبة بإزالة هذه العوائق من الدستور». وقال: «هادوا راهم انقلابيين غير ما لاقو كيفاش والسلام» (هؤلاء انقلابيون لكنهم لم يعرفوا كيف يصلون) في إشارة الى انتماء حكيم بن شماس وعدد من قادة الأصالة والمعاصرة في ثمانينيات القرن الماضي الى تيارات راديكالية كانت تدعو لإسقاط النظام الملكي في المغرب.