من الأسئلة التي أطرحها على نفسي دائما ولا أستطيع أن أجد لها جوابا، مسألة خلو منظومة النشر العربية على الرغم من تضخمها في السنوات الأخيرة، من وجود الوكيل الأدبي للكاتب أو الشاعر، أو المبدع عموما، وهو ضلع مهم في النشر الغربي، ويمكنه أن يؤدي كثيرا من الخدمات الكبرى والصغرى، على حد سواء للمبدع، يقيه مسألة الوقوف على عتبات دور النشر، ومفاوضتها من أجل أن يحصل على حقوق ما.
أيضا يمكن للوكيل أن ينظم ندوات ولقاءات للكاتب هنا وهناك، يحشدها بالجماهير، وفي صفحات كثير من الوكلاء الأدبيين المهمين، نشاهد عبارة تقول: يمكنك لقاء مؤلفينا، وهي عبارة بدا لي فيها شيء من الاحترام للمؤلفين، حين تجعل منهم أعلاما بعيدة، يحتاج القارئ إلى وسيط من أجل لقائهم، ولا أعني هنا النجومية، لأن لا نجومية حقيقية في الكتابة الإبداعية، تقترب من نجومية الفن، إلا ما ندر، ولكن مجرد رفع قيمة مؤلف يبذل جهدا من أجل الكتابة. ويحاول أن يقدم شيئا للتنوير أو إكساب المعرفة، بحسب اعتقاده، ولأن في كل عصر لا بد من وجود من يكتب ومن يقرأ، لتكتمل منظومة ما، يمكننا تسميتها المنظومة الثقافية.
يمكن للوكيل الأدبي تنظيم حفلات إعلامية، مع الصحف والمجلات، وقنوات التلفزيون، وبذلك تختفي تلك العشوائية التي نراها دائما في حواراتنا، التي تأتي بلا موعد، وتمارس فيها ضغوط كبيرة من قبل المحاورين على الكاتب، بغض النظر عن ظروفه الشخصية، وإن كان متفرغا للإجابة عن حوار أم لا؟
وأذكر أنني كنت مرة في السوق، أتنقل بين دكاكين مزدحمة بالسلع والناس، حين كلمني أحدهم هاتفيا طالبا مني الإجابة على أسئلة بخصوص نهاية عام ميلادي وبداية عام جديد، وأثر ذلك في الكتابة، وأن تكون إجابتي الآن لأن الجريدة على وشك الذهاب للمطبعة.
أخبرته بأنني في سوق السمك، أطالع أنواعه المختلفة، وذهني خال من الثقافة ومعطياتها، وعليه إمهالي حتى أكون مستعدا، فأبى بشدة، طلبت إعفائي من الإجابة إذن، فدلق المحاور تلك الفقرة التي أسمعها كثيرا، ولا تعني أي شيء في الحقيقة، ويمكن أن تقال لأي أحد آخر، فقرة عن ضرورة وجودي، في الاستطلاع، لأن رأيي مهم للغاية.
عند ذلك أجبت على أسئلته بلا وعي، وأنا أتحدث لتاجر السمك عن كيفية تقطيعه، وإعداده للمائدة، وأظنني قلت أشياء لم تكن لتقال حين أكون في وضع الكاتب، لا في وضع رب البيت.
الوكالة الأدبية بالقطع صرح لا يمكننا الاستهانة به، وأعرف كثيرا من الوكلاء صنعوا لكتابهم مجدا لم يكن ليصنع لولا وجودهم، وكلاء عثروا على كتاب صغار لكن شموا في كتابتهم رائحة موهبة، وقاموا بنقلهم بما وفروه من خدمات إرشادية وتحريرية، وعلاقات بدور النشر المختلفة، إلى أفق بعيد حافل بالقراء، والجمهور الذي يتعطش للأدب الراقي كثيرا، وكنت تعرفت مرة بوكيل أدبي من أصل لاتيني أمريكي، وعرفت أنه ساهم بجهد كبير في التعريف بكتاب أمريكا اللاتينية، حين تبنى نتاجهم وروج له بشتى اللغات، كان الوكيل هو توماس كولشي، وأظنه ما زال يعمل حتى الآن في خدمة الأدب اللاتيني، وله صلات أيضا بالآداب العربية، ويروج لبعض الكتاب العرب، ومنذ عام تقريبا، قرأت رثاء مؤلما من الكاتبة التشيلية الرائعة إيزابيل أليندي، عن وكيلتها الأدبية التي رحلت، حيث وصفتها بأنها كانت الأم التي التقطت طفولة كتابتها وأوصلتها إلى النضج، وسعت بكتابتها الناضجة إلى كل اللغات، وبحيث لم يعد هناك مهتم بالأدب، في كل اللغات تقريبا، لم يسمع بإيزابيل أليندي.
ومنذ فترة قليلة، لمعت رواية أحمد سعداوي «فرانكشتاين في بغداد» لمعانا كبيرا خارج الحدود العربية، وكادت أن تحصل على بوكر الرواية العالمية، لولا تلك العثرات التي تلازم تلقي الأدب العربي، والنظر إليه بنزاهة، في كل مكان، وأي وقت.
كان ذلك اللمعان، وتلك الترجمات المتعاقبة، بالتأكيد من جهود وكيل جيد، ونشيط، ومهتم بكتابه، ويساندهم في كل وقت.
أعتقد أيضا أن الهم الأساسي للكاتب، هو الكتابة، أن يقرأ باستمرار ليكتب، وأن يعثر على أفكار في كل مرة، ليشكلها عملا جديدا، ربما يكون هناك من ينتظره، ومعروف أن للكتابة اكتئابها وإحباطاتها الخاصة، والذي ينتهي من صياغة رواية، لا يكون مستعدا للركض المجدد من أجل العثور على ناشر، وأيضا من أجل الإعلان هنا وهناك عن روايته، وقد يكون الكاتب مجدا فعلا لكن لا يملك علاقات، تؤهله للوصول إلى الترجمة، والانتشار الواسع، وغير ذلك من أشياء تخص الكتابة، لا بد من حدوثها أو حدوث بعضها على الأقل، ونأتي لدور الوكيل إذن الذي يقوم بكل ما يخطر على ذهن الكاتب، بينما يبدأ الأخير إجازة من العناء.
أقترح أن نشرع في بناء وكالات أدبية عربية، وكالات ستبدأ صغيرة محدودة عدد الزبائن، لكنها ستكبر، وستتسع مجالاتها، وقد تتولى بعد ذلك تقديم الروايات للسينما، إنها صناعة النشر الحديثة، ولا بد من مواكبة للصناعة الحديثة ما دمنا نكتب إبداعا، ونسعى إلى نشره وترجمته إن استطعنا إلى ذلك سبيلا.
ولا أعتقد أن وجود الوكالات الأدبية سيؤثر في عمل الناشرين، أو يقلص من عائدهم التجاري، على العكس قد يمد دور النشر المختلفة بأعمال راقية ربما لا ينتبهون إليها وسط ذلك الكم الكبير من الأعمال الإبداعية الذي يتلقونه يوميا، فالوكيل الأدبي في الغالب هو ناشر قديم، أو على الأقل عمل في صناعة النشر، وأحيانا محرر أو كاتب لم يرد أن يستمر في الكتابة، ولجأ لصياغة عمله التجاري، إن جاز التعبير.
٭ كاتب سوداني
أمير تاج السر
ومن سيدفع أتعاب الوكيل؟ إذا كان المؤلف لا يكسب من وراء أعماله سوى الفتات والمحظوظ والمبدع ربما يحصل على بعض المال من نيل جائزة ما ولكن النشر لا يدر أرباحا إلى على دور النشر التي تأكل البيضة وقشرتها كما يقول المثل السوري وحتى ما يسمى ب” البيست سيلر” ٫اي الكاتب الناجح الذي يبيع مؤلفاته ففي العالم العربي لا يوجد كتاب يطبع بأكثر من ثلاثة الاف نسخة في حين ان الكتاب الجيدين في العالم الغربي تصل إلى ملايين النسخ التي تدر ارباحا فعلية على الكاتب لأن هناك من يقرأ وهناك من يؤلف وهناك سلسلة من الدوائر التنظيمية للعملية الإبداعية ودور النشر تلتزم بقوانين صارمة وليس كدور النشر العربية التي معظمها تسرق الكاتب والقاريء
يمكن للورش الأدبية ان تحتضن كاتب لامع (ولها نماذج معروفة ) وصحفي مجتهد حيث النشر للقصص اقصيرة يلاقي رواجا وطبعا بدون مقابل وذلك للترويج لباقي الأدباء بالورشة واعرف كتابا لهم ما يسمي الناقد الملاكي وربما يمكن تطوير هذه الفكرة بعد فشل حفلات التوقيع التي يتحملها الكاتب وحده وفي حالة الورشة يمكن ان تكون المشاركة جماعية .. حضرت جانبا من ورشة/جماعة الأدب العربي بالاسكندرية وكانت تصدر كتابا يدوريا بمساهمات الأعضاء بنسبة عدد الصفحات علي أن يأخذ بالمقابل لما دفعه عددا من النسخ للترويج بين معارفه والتجهيز لندواته وهكذا وكل عام وانتم بخير