السلطات المغربية تمنع مؤتمراً دولياً حول الحريات الفردية

حجم الخط
0

الرباط – «القدس العربي»: بعد شد وجذب وتراجعات مفاجئة وسحب مقرات منعت السلطات المغربية الندوة الدولية حول «الحريات الفردية في ظل دولة الحق و القانون» التي أعلنت عن تنظيمها مجموعة الحريات والديمقراطية التي يرأسها رجل الإعلانات المشهور نور الدين عيوش ، وذلك وفق ما جاء في بلاغ صادرعن المجموعة مساء أول أمس. وقال البلاغ: «تتأسف مجموعة الحريات والديمقراطية أن تعلن لكم أن الندوة الدولية ليومي الجمعة و السبت 22و 23 حزيران/ يونيو قد تم منعها من طرف السلطات المغربية. نتقدم باعتذارنا للمشاركين و لكل الديمقراطيين في بلادنا».
وأثارت الندوة بشكل مفاجئ ردود فعل قوية رغم أن المجموعة أعلنت عن تنظيمها منذ أسابيع خلت ونشرت برنامجها الذي يضم أسماء أكاديميين ونشطاء في المجتمع المدني و فاعلين سياسيين من تونس والمغرب والجزائر و فرنسا ومصر. وتتابعت أشكال محاصرة الندوة بشكل متسارع بدءاً من البلاغ الذي أعلنت فيه مؤسسة آل سعود التي يوجد على رأسها أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن المؤسسة لم تمنح مقرها للمجموعة من أجل تنظيم الندوة معتبرة أن ما تم تداوله هو خبر زائف، ليتلوه منع آخر من الفندق الذي أعلنت المجموعة أنها ستنقل أشغال الندوة إليه كتحدٍ للإرباك الذي خلقه قرار المؤسسة و تشبث بتنظيم الندوة في وقتها المحدد سلفا وفق ما صرح به عيوش ، غير أن المنظمين تفاجأوا بأن إدارة الفندق لم تكتف فقط بالاعتذار عن احتضان الندوة بل نشرت ذلك في بلاغ رسمي ، وهو الأمر الذي أٌثار تساؤل فاعلين مدنيين استغربوا غلق المنافذ عن الندوة بل واللجوء لبلاغات رسمية عوض الاكتفاء بالاعتذار و التراجع، هذا قبل أن تعلن في نهاية المطاف المجموعة في بلاغ لها أن السلطات قررت منع الندوة ، وبه يكون قد تجلى سبب حصار المقرات .
مواضيع الحريات الفردية والمساواة بين الجنسين وحرية المعتقد ( وهي ما كانت تعتزم الندوة الخوض فيه) غالبا ما تثير جدلا في المغرب عبرالنقاش الذي تحفل به وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي و ينخرط فيه فاعلون محسوبون على الصف الرسمي و آخرون أصحاب رأي ونشطاء مستقلون حقوقيون ومدنيون ، وحسب ما أفاد به منظمو الندوة فهذه ليست أول مرة يقدمون على تناول هذه المواضيع بل سبق إثارتها في أكثر من مناسبة واحتضنتها مقرات بما فيها مؤسسة آل سعود وهو ما جعلهم يستغربون للطريقة التي تراجع بها في البداية بعض المسؤولين عن المشاركة ومن ضمنهم محمد أوجار وزير العدل ونبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية .. وهو ما علق عليه عيوش بالقول : «ما برر به البعض تراجعه هو كذب ولدينا إثباتات، ليست لديهم الشجاعة ليقولوا السبب الذي دفعهم للتراجع حقيقة» .
وفي الوقت الذي أثار مسلسل المنع المتدرج استغراب العديدين، خرج وزير الدولة لحقوق الإنسان لتبريره قائلاً :» من حق جميع المواطنين، أن يناقشوا كافة المواضيع التي يرونها ، لأن ذلك من الحريات المضمونة التي لا حق لأحد في مصادرتها، غير أنه ينبغي للجميع أن يضع في الاعتبار أن الدستور الذي أطر حرية التعبير هو ذاته الذي نصّ على الثوابت الجامعة التي يتبوأ فيها الدين الإسلامي الصدارة»، مضيفاً «أي حوار في هذا الموضوع وغيره من المواضيع ذات الحساسية الخاصة ، والتي تثير اهتمام عموم المواطنين و يمكن أن تترتب عليها ردود أفعال متباينة، تنبغي مناقشتها بمسؤولية بعيداً عن المزايدات و أساليب الإثارة التي اعتدناها من بعض الخائضين في مواضيع من قبيل مواضيع الحريات الفردية» .
الحقوقية خديجة الرياضي، استنكرت هذا المنع واعتبرته «منعا تعسفيا» و»تضييقا» على حرية الاجتماع السلمي وحرية التعبير التي يكفلها الدستور والتزامات المغرب في مجال الحقوق السياسية والمدنية ، قائلة لـ»القدس العربي» أن منع الندوة هو أحد مظاهر الردة الحقوقية التي يعرفها المغرب وهي من بين الأساليب التي تلجأ إليها السلطة لتكريس سياسية الخطوط الحمر .
«حساسية» الموضوع نجمت عنها تعليقات متباينة على وسائل التواصل الاجتماعي و «منابر إعلامية» هاجمت بشكل حاد موضوع الندوة وبشكل خاص نور الدين عيوش و اعتبرها بعض المنتمين لمجموعة الحريات الديمقراطية أنها تشكل تأليباً للرأي العام على الندوة و رئيس المجموعة و بأنها تحاول شخصنة الندوة و الصراع وعزله من خلال الاتهامات و السب و الشتم الذي تم إطلاق العنان له من دون حسيب ولا رقيب ، ومن خلال عناوين بعض الصحف التي ادعت أن الندوة تستضيف مثليين في حين يقول المنظمون أن برنامج الندوة ليست فيه أية إشارة لمشاركة مثلي أو مثليين بهذه الصفة ، وأن ما راج في إحدى الصحف له طابع تحريضي ضد الندوة و رئيس المجموعة .
في حين لم يستعبد مصدر رفض الكشف عن إسمه ، أن يكون من ضمن أسباب المنع المواقف التي عبّر عنها عيوش مؤخراً بخصوص قضية الصحافي توفيق بوعشرين، بعد حضوره الندوة الفكرية التي نظمتها «لجنة الحقيقة و العدالة في قضية الصحافي بوعشرين» و إدلائه بتصريحات اعتبر فيها أن القضية سياسية وبالرغم من أنه لا يبرئ و لا يدين بوعشرين من المنسوب إليه فالحجم الذي أخذته القضية يوحي بوجود خلفية سياسية ، معلقا أن «الدولة أصبحت تقوم بالسينما»، وهو الأمر الذي يرى مصدرنا أن السلطات لم تستسغه من حقوقيين ورجال قانون حضروا الندوة وتمت مهاجمتهم بعدها، فبالأحرى أن تستسيغه من رجل معروف بقربه من دوائر القرار ومن القصر، أما بخصوص دفاعه عن الحريات الفردية و نشاطه المدني في هذا المجال، يقول المصدر، فعيوش فهو وإن كان محط انتقاد من طرف تيار في المجتمع المغربي فهو لم يكن يوما سبب غضب السلطة عليه. والندوة الممنوعة مؤخراً التي وافقت بداية مجموعة من المسؤولين الرسميين على حضورها ثم تراجعوا عن ذلك لم يكن ليوافقوا في الأصل لو أنهم بلغهم أو شكوا في أنها يمكن أن تثير غضبا أو تمنع ، إضافة للطريقة التي تم بها التراجع من قبلهم ومن قبل المقرات فهي لا تبدو عادية ، مضيفا أن النقاش المثار حول اعتراض «المحافظين « و»السلفيين» هو هامشي و يثار دائما ويتم استعماله ، رغم جدية البعض في طرحه ، أحيانا كثيرة لتمويه قضايا وحقائق أخرى.

السلطات المغربية تمنع مؤتمراً دولياً حول الحريات الفردية

سعيدة الكامل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية