«باليرينا» لنسرين البخشونجي: الموازنة بين القيم المادية والروحية

حجم الخط
0

الباليرينا راقصة الباليه التي تقوم بأداء رقصات تعبيرية على أنغام الموسيقى بشكل مسرحي، معتمدة على مرونة الجسد ورشاقته.
والرقص بشكل عام هو أحد أشكال التعبيرعن عقائد ومعتقدات الإنسان وآرائه منذ القدم، وهو إحدى لغات الروح والجسد معًا للتعبيرعن مكنوناتهما، وهو صانع الدهشة والفرح في حياة الإنسان، ووسيلة من وسائل التحرر من قيود المجتمع المكبِّلة، ويعطي الراقصَ شعورًا كأنه يطير في الفضاء، متجاوزًا حدود المكان والزمان.
هذا ما تؤكده نسرين البخشونجي في نصوصها الصادرة مؤخرًا تحت عنوان «باليرينا»، وكأنها تقول للمتلقي بأن كل نص من هذه النصوص رقصة مختلفة تؤديها الباليرينا معبِّرةً مِن خلالها عن معنى ما، أو فكرة ما، ليصير الرقص هو لغة التواصل بين الشاعرة والمتلقي للتعبيرعن مشاعر وانفعالات مكبوتة بين ثنايا الروح، وانعكاسًا لمعاناة الإنسان في هذه الحياة، وهذا ما تؤكد عليه منذ عتبة الإهداء» من كان منكم بلا حزنٍ/ فليرمني بفرح»:
ذات يومٍ
سأصعدُ إلى قوس قُزَح
سأنزلقُ بين أصفر الجنون
وأخضرِ السكون
وما بين فرحةِ البُرتقالي
وحزنِ البنفسجي
سأبقى حيثُ أحمر الثورة
ربما أتحرَّر
إنها رغبة الراقصِ في الانطلاق إلى اللانهائي، حيث الحرية والانعتاق من أسْرِ المادة، وأغلال الواقع الصادم، والبحث عن الخلاصِ والتطهر، ولذا نجدُ أن ثيمة الحلم والتمني هي الغالبة على تلك النصوص «ذات يومٍ سـ أفعل كذا»، وهي ثيمة تبعث الأمل والتفاؤل في نفس المتلقي، وتبشر بغدٍ أفضل يتغلب فيه الإنسانُ على يأسه وإحباطاته .
وتستمر الباليرينا في رقصاتها المتنوعة عبر نصوص الديوان، ففي رقصة تعبرعن معاناة المبدع تشتبك مع إشكالية الصورة المغلوطة عن المبدع /

المثقف/ والتي يتخيله الناسُ بعيدًا عن الألم والمعاناة :
أنت مبدع؟
لستَ سوى روحٍ مُتعبةٍ
تحمل صليبك أينما تذهب!
كما يتضح لنا فإن نسرين البخشونجي تهتم باللغة اهتمامًا كبيرًا، من حيث وضوحها وتعبيرها عن رؤاها، وبُعْدِها عن المعجمية والإغراب والتعتيم، واعتمادها على التكثيف والاختزال بما لا يخلّ بجوهر النص ورحابته الدلالية، والبُعد عن الاسترسال والإطناب:
مشاعري
صارت مثل لوحة
على وشك السقوط
من على جدارٍ مهترئ
أو
قطعة حلوى منسية
تبدو شهيةً
لكنها تيبَّسَتْ
وتأتي ثيمة التكرار اللفظي أيضًا في بعض نصوص المجموعة مؤكدة على هذا الاهتمام بالبناء اللغوي للنص الشعري بما يتناسب مع الحالة الشعورية للشاعرة دون اللجوء إلى مزالق الركاكة والابتذال كما في نص «سُبُل» حيث تكررت عبارة «على سبيل» بداية كل مقطع لتأكيد الفكرة.
كما يبدو واضحًا أيضًا اهتمام الشاعرة بتشكيل صورتها الشعرية وفْق مُعطيات فكرتها وجماليات طرحها الشعريّ، وقدرتها على الإحساس بجماليات المدركات البصرية، والموازنة بين منظومتي القيم المادية والروحية، متكئة على ثقافتها ورؤاها الخاصة للأشياء، وهذا ما يعطي النص سِعة دلالية ورحابة في التأويل، من خلال تلك الصورة المكتنزة بالدلالات، وتلك اللغة المنفتحة على تعددية الرؤى:
العابرون
إلى قلب ذاكرتي
أخذوني برفق
نحو ممرات الحنين
من ملامح تلك النصوص أيضًا تدفق السرد الشعري والدراما في بعض نصوص المجموعة وتوظيفهما لخدمة الفكرة التي تود طرحها عبر النص كما في نصوص «رأيتُ بيسان، نصف سيزيف الآخر، أنانية مفرطة …»، وهو ما يجعل النص محملا بطاقاتٍ إيحائية.

٭ شاعر وكاتب مصري

«باليرينا» لنسرين البخشونجي: الموازنة بين القيم المادية والروحية

أشرف قاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية