القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يتبق من المشهد الذي ظهر فيه المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، في الثالث من يوليو/ تموز 2013، وأعلن فيه الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة وتولي المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية في ذلك الوقت، رئاسة البلاد بشكل مؤقت حتى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، سوى شيخ الأزهر، أحمد الطيب، وبابا الاسكندرية والكرازة المرقسية تواضروس، بينما اختفى باقي من ظهروا في الصورة من المشهد السياسي.
محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كان أول من غادر المشهد السياسي، وقرر الخروج من مصر، والاكتفاء بتغريدات على موقع «تويتر» ينتقد فيها سياسات السيسي.
وبدأ الخلاف بين البرادعي ونظام 30 يونيو، بعد رفضه فض اعتصام جماعة «الإخوان المسلمين» في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقوة، حيث تقدم وقتها باستقالته من منصبه.
وكشف بعد ذلك في تغريدات أطلقها وهو خارج مصر، عن تعرضه للتهديد من قبل جهة سيادية لم يحددها، وكتب على صفحته على «الفيسبوك» أن «جهة سيادية هددت بتدميره، عندما كان في منصبه، إذا استمر في محاولات العمل للتوصل إلى فض سلمي لاعتصامات الإخوان المسلمين».
وتعرض بعد ذلك لحملة إعلامية ممنهجة لتخوينه وتقديمه باعتباره جزءا من مؤامرة دولية تهدف لضرب استقرار الدولة المصرية.
العسكر
وبعد سنوات من المشهد الذي مثل نهاية حكم مرسي ومهد الطريق لوصول السيسي لحكم مصر، تفاجأ المصريون بالإطاحة بكل الرموز العسكرية الذين شكلوا أعضاء المجلس المصري للقوات المسلحة واحدا تلو الآخر، وكانت آخر هذه الإطاحات، ما جرى مع الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع المصري السابق.
فقبل أيام من حلول الذكرى الخامسة لأحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، وذكرى مشهد 3 يوليو/ تموز2013، أقال السيسي صبحي الذي تولى مسؤولية وزارة الدفاع خلفا للسيسي، في التغيير الحكومي الذي جرى بعد فوز الأخير بولاية ثانية، رغم نص الدستور المصري في مادته 234 على أن «يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتباراً من تاريخ العمل بالدستور».
الفريق أسامة الجندي القائد السابق للقوات البحرية، كذلك، تمت إقالته من منصبه في أبريل/ نيسان 2015، وتم تعيين اللواء بحري أسامة ربيع خلفا له.
وكان الجندي عين في أغسطس/ آب 2012، عقب حركة التغييرات الواسعة التي أجراها مرسي في صفوف قادة القوات المسلحة، شملت إقالة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي ورئيس هيئة أركان الجيش سامي عنان وعدد من القادة العسكريين.
وعقب ذلك أطاح السيسي بالفريق عبد المنعم التراس من منصب قائد قوات الدفاع الجوي في ديسمبر/ كانون الأول 2016 وعينه مستشاراً له للشؤون العسكرية.
أما الفريق محمود حجازي الذي تولى إدارة جهاز الاستخبارات العسكرية في حركة أغسطس/ آب 2012، خلفًا لصهره السيسي، الذي أصبح وزيرًا للدفاع في الحركة نفسها، فأقيل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، ورغم عدم وجود تبرير رسمي لسبب الإقالة فإن الخطوة بدت كعقاب على ردة فعل حجازي المتراخية في التعامل مع «حادثة الواحات» التي قتل فيها 16 شرطيًا.
كان حجازي أحد العسكريين الستة الكبار الذي شاركوا في مشهد يوليو/ تموز 2013، بحكم منصبه، وجرى ترقيته في مارس/ آذار 2013 إلى رتبة الفريق وتعيينه رئيسًا لأركان الجيش، خلفًا لصدقي صبحي الذي تولى منصب وزير الدفاع، بعدما استقال السيسي من أجل الترشح لرئاسة الجمهورية.
لم تقتصر عمليات الإطاحة بالعسكريين، بل امتدت للقيادات السياسية المدنية التي شاركت في أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، لكنها عادت بعد ذلك وانتقدت حكم السيسي ووصفته بـ«الديكتاتور».
أبو الفتوح
في مقدمة هؤلاء عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي السابق، الذي جرى اعتقاله وتوجيه اتهامات له بـ«تأسيس وقيادة جماعة إرهابية».
أبو الفتوح، كان من بين المشاركين في أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، حيث أعلن وقتها حزب «مصر القوية» عن الخروج يوم 30 يونيو/ حزيران 2013 بقيادة رئيسه في مسيرة تنطلق من مسجد الاستقامة، إلى ميدان التحرير، مؤكاً في بيان على «أهمية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة والاحتكام للصندوق»، وجاءت تغريدات أبو الفتوح في ذلك اليوم للتأكيد على ذلك.
وطالت حملات الاعتقالات أيضاً عددا من أبرز النشطاء الذين دعوا ونظموا احتجاجات 30 يونيو/ حزيران 2013، بينهم الناشطان علاء عبد الفتاح وأحمد دومة، وغيرهما من الذين يقضون عقوبات في السجن تتراوح بين الخمس سنوات والمؤبد في قضايا تتعلق بالتظاهر.
حملات الاعتقالات امتدت أيضاً لعدد ممن حسبوا على السيسي في بداية عهده، لكن سرعان ما انقلبوا عليه ووجهوا لسياساته انتقادات حادة تتعلق بغلق المجال العام، وفرض رقابة على المصريين، وتأميم الحياة السياسية، ولعل أبرز هؤلاء الناشط السياسي حازم عبد العظيم، الذي تولى مسؤولية لجنة الشباب في حملة السيسي الرئاسية الأولى، بعد أن ألقي القبض عليه أواخر الشهر الماضي وتوجيه اتهامات له تتعلق بـ«استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية».
وبينما تحل الذكرى الخامسة لأحداث 30 يونيو، يبدو أن السيسي قد تخلص من كل من شاركوا في هذه الأحداث من قيادات سياسية ومدنية، وحاصر الأحزاب صاحبة الدور الفاعل وجعلها حبيسة مقراتها بقوانين تمنعها من التواصل مع الجماهير كالتظاهر والإرهاب.
وبات المشهد السياسي المصري خاليا من أي نشاط سوى لمؤيدي السيسي.
نكبة
وتزامناً مع حلول الذكرى الخامسة للإطاحة بمرسي، دعا «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب» إلى «أسبوع ثوري جديد بعنوان (معا ضد العصابة)»، مؤكدا أن «الحكم العسكري أذل البلاد والعباد، وفرَط في ثروات الوطن، وجزره ونيله، وقتل الآلاف من أبنائه، واعتقل وعذب وطارد عشرات الآلاف الآخرين، ولا يزال يواصل قمعه لجميع من عارضوه ومن أيدوه».
وقال في بيان إن «خمس سنوات مرت على نكبة 30 حزيران/ يونيو 2013 التي مثلت غطاء مدنيا لانقلاب الثالث من تموز/ يوليو. خمس سنوات من الضياع والفشل، والخيانة، والغلاء والبلاء، وقتل وتصفية المعارضين تحت حكم العسكر».
وأضاف: «بعد هذا السنوات الخمس العجاف على مصر والمصريين أصبح لزاما على كل من دعم الانقلاب العسكري أن يتطهر من ذلك الدعم احتراما لنفسه، واحتراما لثورة يناير وشهدائها، وهذا التطهر لن يكون مجرد كلمات ولكنه أفعال للخلاص من هذا الحكم العسكري».
وتابع: «حرص النظام في هذه الذكرى الخامسة على الاحتفال بها بطريقته الخاصة بقرارات متسارعة لرفع أسعار الكهرباء والمياه والغاز والبنزين والاتصالات، دون أي شفقة أو رحمة بالشعب الذي لم يجد من يحنو عليه، وهو ما يستدعي توحيد كل الجهود المخلصة لإنقاذ مصر من حكم هذه العصابة التي لن تتوقف عن قمعها وخيانتها وتفريطها حتى تبيع الوطن كله».
وزاد : «تحالف دعم الشرعية دعا منذ أيامه الأولى ولا يزال يكرر دعوته لكل من وصفهم بفرقاء ثورة يناير أن هلموا لثورتكم، دافعوا عن مكتسباتها، وتعاونوا على استردادها من براثن الثورة المضادة، ونحوا خلافاتكم الأخرى جانبا وفاء للشهداء ورحمة بالشعب».