باريس – أ ف ب: تثير الهجرة الكثير من الاسئلة في بلدان الاستقبال حيث ينقسم المثقفون والسياسيون بشأن اثرها الاقتصادي، فهل هي نقمة ام نعمة؟.
وبين البطالة والنمو والمالية العامة تتنوع التقييمات، وتختلف الأوضاع كثيرا حسب بلدان الاستقبال والفترة ونوعية المهاجرين (عائلات او مهاجرين اقتصاديين او لاجئين).
لكن خبراء الاقتصاد يتفقون على اتجاهات عامة مؤيدة إجمالا في بلدان الاستقبال.
وفي ما يلي عرض للوقائع والافكار المسبقة في وقت وصلت فيه «مسيرة تضامن ومواطنة» دعما للمهاجرين أمس الأول إلى كاليه في شمال فرنسا.
* كيف تؤثر الهجرة على سوق العمل؟: في تقرير الشهر الماضي، اشارت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» إلى ان «أزمة اللاجئين فاقمت القلق لدى الرأي العام إزاء الفوائد المفترضة للهجرة» وسط شعور بالقلق بشأن «الأجور أو الوظائف».
ورأت ايمانويلا اوريول من معهد تولوز للاقتصاد انه «من الخطأ» القول ان استقبال المهاجرين «يفاقم البطالة». ولفتت إلى ان «المهاجرين يتولون اعمالا تكون في غالب الاحيان شاغرة سواء في قطاع البناء او المطاعم او الخدمات الفردية».
والميزة الاخرى للهجرة، حسب مجموعة الابحاث «بي.اس.اي.إيكونوميكس، ان تدفق المهاجرين يزيد الطلب ويحفز الاستهلاك ما «يؤدي على الأرجح إلى استحداث وظائف» في القطاعات الأخرى.
وفي 2012 قدرت اللجنة الاستشارية للهجرة، وهي هيئة بريطانية شبه عامة، بـ160 ألفا عدد البريطانيين الذين لم يعثروا على عمل في السنوات الخمس التي سبقت بسبب المنافسة الناجمة عن الهجرة.
وفي دراسة نشرت في 20 يونيو/حزيران الماضي قدرت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» ان عدد العاطلين عن العمل يمكن «ان يرتفع بنحو 6 في المئة» بحلول الشهر الأخير من 2020 في المانيا، في غياب اجراءات تساعد «اللاجئين على الحصول على عمل». لكن العديد من الخبراء الاقتصاديين يقولون ان هذا الوضع ظرفي. وأكد الباحث أنتوني إيدو أنه «في المعدل وعلى الأمد البعيد، تتفق الدراسات على ان الهجرة لا تترك اثرا سلبيا على العمل».
* أثر الهجرة على النمو؟ يقول جان كريستوف دومون، رئيس قسم الهجرة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «ما من شك في ان الهجرة ترفع الناتج الإجمالي» في دول الاستقبال عبر تحريك الاستهلاك والنشاط الاقتصادي.
وفي دراسة نشرت منتصف الشهر الماضي خلص باحثون فرنسيون، بناءً على قاعدة بيانات 15 بلدا اوروبيا، إلى ان تدفق المهاجرين يزيد الناتج الإجمالي لكل فرد بما قدره 0,32 في المئة كل سنتين.
واشارت اوريول إلى انه «في غالب الأحيان، يكون المهاجرون الواصلون لا يملكون شيئا وهم بحاجة لكل شيء» مضيفا «منحهم المال يؤدي إلى نوع من خطة الانعاش».
وعلى الأمدين المتوسط والبعيد عادة ما يكون ميل المهاجرين إلى الأعمال أكبر. وحسب دراسة لجمعية «ناشيونال فنتشر كابيتال» على عينة من عشرة آلاف مهاجر في الولايات المتحدة فقد تبين ان 62 منهم أسسوا شركات وهي نسبة اعلى مرتين منها لدى مواطني البلاد.
وحسب خبراء اقتصاد معهد «ماكينزي غلوبال» فقد ساهم المهاجرون بنحو 10 في المئة في الناتج الاجمالي العالمي في 2015، في حين انهم لا يمثلون الا 3.4 في المئة من سكان العالم.
* اثر الهجرة على المالية العامة: كثرا ما ينظر إلى الهجرة كعامل سلبي على المالية العامة خصوصا في دول مثل فرنسا وإيطاليا المثقلتين بالديون. وكثيرا ما يدل على ذلك بان المهاجرين يحصلون على منح اجتماعية تفوق ما يقتطع منهم.
وهي فكرة مسبقة، حسب أنتوني إيدو الذي يرى ان الاثر الضريبي للهجرة «متعادل»، لانه في مقابل ان الدولة توفر الحماية الاجتماعية للمهاجرين فان هؤلاء هم في الغالب شبان ويعملون.
وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فان الاجانب اكثر تمثيلا في المنح الاجتماعية في السنوات الاولى لوصولهم، لكنهم يساهمون لاحقا في الاقتصاد بالنظر إلى اعمارهم التي تجعلهم اقل وطأة على معاشات التقاعد.
ولفت تيتو بويري مدير الضمان الاجتماعي الإيطالي هذا الاسبوع إلى ان بلاده التي تعاني تراجعا ديموغرافيا بحاجة إلى مهاجرين لدفع معاشات متقاعديها. ونصح بالابقاء على تدفق قانوني للمهاجرين لضمان توازن صناديق التقاعد الإيطالية، مما اثار استياء وزير الداخلية ماتيو سالفيني.
وقال بويري امام مجلس النواب انه عبر الحد من تدفق المهاجرين، «سنخسر في خمسة اعوام عدداً يساوي اليوم (عدد سكان) مدينة مثل تورينو»، اي «700 الف شخص تقل أعمارهم عن 34 عاما خلال ولاية تشريعية» تستمر عادة خمسة أعوام في إيطاليا.
وفي مواجهة هذا التراجع الديموغرافي الذي يبدو ان «لا أحد يأبه له في إيطاليا»، أوصى بويري بالحفاظ على نسبة من المهاجرين القانونيين من شأنها وحدها في رأيه حفظ توازن الحسابات في صندوق بدلات التقاعد.
ونبه إلى ان الاصلاح الذي اقترحته الغالبية البرلمانية الجديدة المؤلفة من حزب الرابطة اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني وحركة خمس نجوم لتسهيل الاحالة على التقاعد، قد يكلف ما بين 18 وعشرين مليار يورو، معتبرا ان من الافضل تخفيف وطأة القانون القديم الذي نص على خفض سن التقاعد وتريد الحكومة الجديدة الغاءه.
ولاحظ بويري ان ما شهدته إيطاليا في تاريخها الحديث كان «دون توقعات» الشبان، ففي كل مرة «هناك حكومة تقترح التدخل لصالح المتقاعدين».
وأكد أيضا ان الاقتصاد الإيطالي يحتاج إلى يد عاملة مهاجرة لتولي بعض الأعمال التي يرفض الإيطاليون ممارستها، مثل التمريض والعمل في القطاع الزراعي.
واثارت هذه المواقف غضب سالفيني، اذ اعتبر في بيان ان بويري، الاقتصادي الذي عينته الحكومة السابقة (يسار الوسط)، «يواصل ممارسة السياسة متجاهلا رغبة عدد كبير من الإيطاليين في العمل». وتساءل «اين يعيش (بويري)، في كوكب المريخ؟».