الأردن: «غموض» التيار المدني عنصر إثارة والرزاز يفتح دفاتره للكتل ويلعب بورقة «التعديل»

عمان – «القدس العربي» :إصرار عضو البرلمان الأردني يحيى السعود على قيادة حملة ضد الوزير الممثل للحراك المدني للشارع مثنى الغرايبة خطوة بدأت بتقديم خدمات مجانية لحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز عبر إعادة إنتاج موقف شعبي تضامني مع الحكومة عشية نقاشات الثقة البرلمانية فيها.
فالنائب السعود لا يحظى بأي شعبية من النوع الذي يمكن ان يدفع حراكه الذاتي ضد الحراك المدني ورموزه إلى التأثير العميق على مجريات الاحداث. لا بل يتصور الجميع أن إصرار السعود على التجول بصورة ملونة لوزير الحراك بين النواب من باب التحريض عليه يدفع قطاعات وشرائح متعددة في المجتمع محايدة تجاه حكومة الرزاز أو مخاصمة لها بالاتجاه المعاكس تماماً، الأمر الذي يخدم هذه الحكومة عملياً في الشارع بصرف النظر عن الاسباب التي تستخدم وتقال من قبل أي نائب ضد الوزير الشاب المتهم بدوره بأنه من دعاة إسقاط النظام عام 2011.
عملياً لا يعلم النواب المتمرسون بالمزاودة على النظام والشارع بأن الدعوة لإسقاط او إصلاح النظام لم تكن في الماضي عنصراً يؤخذ بالاعتبار عند التوزير. وعلى العكس تماماً تجيد مؤسسة القرار المرجعي بالعادة إعادة احتواء المعارضين البارزين بما في ذلك الانقلابيون في ممارسة يبدو ان النواب المصرين على حجب الثقة عن الحكومة بسبب وزير نصف معارض يجهلونها. وقد سبق للحراكيين تحديداً ان حظوا بفرص كبيرة في دوائر صناعة القرار حيث لا تعتبر واقعة الوزير الغرايبة السابقة الاولى.
بل سجلت سابقة اهم منها بكثير عبر الدكتور خالد الكلالدة الذي انتقل من قيادة اعتصامات الشارع وزيرًا للتنمية السياسية في حكومة سابقة قبل تعيينه رئيساً للهيئة المستقلة للانتخابات وانضمامه الى عضوية نادي الشائعات لرؤساء وزراء محتملين. وبكل حال فتح الرئيس الرزاز اوراقه اعتباراً من الاثنين الماضي أمام كتل البرلمان ومن المتوقع ان يحاول الاستثمار في المواجهة المباشرة مع الكتل حتى نهاية الاسبوع الحالي وبدون توفر قرائن حتى اللحظة على اسناده ودعمه او على رفع الغطاء عنه من قبل مؤسسات الدولة الشريكة .
حسابات الرزاز في موضوع الثقة وامتحانها تشير إلى انه يتوقع بعد التحدث للكتل البرلمانية والاستماع اليها ان تبدأ تلك الخطابات الرنانة الموسمية المعتادة من صباح الاحد وحتى عصر الاربعاء على ان يتمكن النواب من التصويت في مسألة الثقة مساء الأربعاء المقبل او صباح الخميس في أبعد الأحوال.
تلك فترة قوامها ثمانية ايام مهمة على صعيد ترسيم الاولويات يتصور الرزاز بانه سينهي خلالها مشاوراته مع الكتل وسط صعوبة العبور بطاقمه الوزاري الحالي مما يبقي الخيار عملياً للاستثمار في سلسلة وعود والتزامات امام الكتل تستند إلى تنفيذ تعديل وزاري موسع بعد الحصول على ثقة البرلمان وبعد وضع الاجندات الزمنية المطلوبة لبرامج الحكومة قبل مضي الـ100 يوم الاولى. المقربون من مطبخ الرزاز وعندما يتعلق الامر بنقاشات الثقة يسجلون مبكراً ملاحظة في غاية الاهمية قوامها ان مؤسسات القرار النافذة التي تتحكم احياناً وحسب الحاجة في اتجاهات كتل البرلمان ومفاتيح مجلس النواب لم يصدر عنها بعد أي قرار ضد الحكومة لكن لم يصدر عنها بنفس الوقت أي اتجاه يساند الحكومة.
الرزاز شخصياً على الأرجح ميال لاعتبار تلك صيغة منصفة حتى هذه اللحظة على الاقل قياساً أولاً بالظروف الاستثنائية التي تشكلت خلالها حكومته. وقياسا ثانياً – وهذا الاهم – بارتياب العديد من المواقع النافذة في دوائر القرار والدولة إما بشخص الرئيس او بتلك العلاقة التي تجهل بعض القوى كيفية إدارتها بين الحكومة وبرنامجها والتيار المدني الشاب في الشارع والذي يحقق بدوره تفاضلاً عددياً ونوعياً في الحضور الاعلامي. السياق الشعبي المناصر للحكومة والذي لا يزال الرزاز نجمه الابرز مرحلياً غامض الولاء والانتماء والنتائج بالنسبة لدوائر العمق في القرار. وهذا الوضع الغامض مفيد تكتيكياً لحكومة في حسابات رئيسها لأنه لا يستدعي التخاصم مسبقاً ولان نتائج العمل المنهجي العميق ضد الحكومة او رئيسها في هذه المرحلة على الاقل من الصعب ان تقبل مؤسسات القرار بدفع كلفتها. وهذا النمط من الرهان المجازف له علاقة بقناعة الرزاز ومسؤولين كثر في الدولة بأن الشارع وتحديداً الجزء المدني المنظم منه لم يعد من الممكن التأثير فيه او اقناعه عبر الاعلام الرسمي او عبر الطرق القديمة والمعتادة في القمع والمنع او في الاحتواء والمداعبة والطريقة اليتيمة المتاحة والتي فرضها ايقاع الدوار الرابع أصلاً هي قرارات وليست وعوداً أو التزامات. من المرجح ان الرزاز مطمئن ويدير معركته في امتحان الثقة بهدوء وصبر شديدين ويناور في تلك المساحة التي تحتمل مفاجآت غير محسوبة بين سيناريوهين احلاهما مر بالنسبة للقوى العميقة في مستويات القرار وهما تحمل كلفة احباط تجربته مبكراً أو تحمل كلفة تمرير برنامجه مرحلياً او مؤقتاً.
يلعب الرزاز سياسياً بين الكلفتين وبالرغم من كل الضجيج الذي يثيره ضده بعض رموز الموالاة الخشنة تحت قبة البرلمان من الطبيعي ان يستثمر الرجل المثقف الذي قادته صدفة الشارع الى سدة رئاسة الحكومة في منطقة الارتياب والكمون على ان ينجح لاحقاً بإقناع مؤسسة القرار المرجعي بدعم مشروعه وبالتالي حكومته. هذا عملياً وضع تكتيكي يعني أن فرصة العبور من امتحان الثقة شبه مضمونة فالمسألة بالنسبة للرزاز في آخر المطاف ممارسة ديمقراطية ينبغي خوضها بصرف النظر عن نتائجها.

الأردن: «غموض» التيار المدني عنصر إثارة والرزاز يفتح دفاتره للكتل ويلعب بورقة «التعديل»

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية