غزة ـ «القدس العربي» ـ أشرف الهور: أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي قرارا جديدا، بدأ تنفيذه فور توقيعه منتصف الأسبوع الماضي، يقضي بتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة، من خلال حرمان مليوني مواطن، من العديد من السلع وفي مقدمتها مواد البناء، كعقاب على إطلاق «الطائرات والبالونات الحارقة» في ظل تصاعد لغة التهديد والوعيد، من قبل الجيش وأركان حكومة تل أبيب، بشن عملية عسكرية في القطاع، وقصفه بين الحين والآخر بالطائرات، غير مكترثين بالتحذيرات الدولية المنددة بمخاطر هذا التضييق.
وفي مسعى إسرائيلي للضغط على قطاع غزة، بعد فشل الخطط العسكرية والابتكارات ونظام الرادار الجديد، في صد وصول «الطائرات والبالونات الحارقة» التي تنطلق من غزة صوب مناطق الحدود الإسرائيلية محدثة حرائق كبيرة، لجأ جيش الاحتلال إلى قصف القطاع مجددا بالطائرات الحربية النفاذة. فبعد ظهر السبت، شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات جديدة على أنحاء متفرقة من القطاع استهدفت مواقع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي وأنفاقا في رفح، حسب مصادر أمنية فلسطينية، في خطوة تهدف منها الضغط على غزة، وإسكات الأصوات التي تنادي بزيادة التصعيد، غير أن المقاومة ردت بإطلاق وابل من الصواريخ على مناطق الغلاف، حيث كانت الرسائل النارية أقوى من تلك الحارقة، في إطار ما أطلقت عليه معادلة «القصف بالقصف».
فقد قال الجيش الإسرائيلي، إن فلسطينيين أطلقوا 91 قذيفة من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، منذ فجر أمس السبت، وحتى الثالثة بعد الظهر.
وأعلن الناطق باسم حركة حماس فوزي برهوم ان الرد جاء لـ»توصيل الرسالة وضمان تشكيل حالة توازن ردع سريعة وكافية لإجبار العدو على وقف التصعيد وعدم التمادي في الاستهداف».
وقبل ذلك كان نتنياهو بالتشاور مع وزير جيشه أفيغدور ليبرمان، أمر قوات الجيش، بتشديد حصار غزة، وعلى الفور أعطت قيادة الجيش أوامرها لقواتها المرابطة على حدود غزة، بمنع إدخال العديد من السلع إلى السكان، من خلال المعبر التجاري كرم أبو سالم، وفي مقدمتها مواد البناء، والأجهزة والأدوات الكهربائية، والتي كانت تساهم في تشغيل عدد محدود من السكان، الذين تتفشى في أوساطهم نسب الفقر والبطالة بمعدلات عالية، فيما أبقت سلطات الاحتلال فقط على عمليات مرور المواد الغذائية الأساسية، والأدوية، والوقود. وبموجب القرار الإسرائيلي أعطيت أوامر للجيش الذي يتحكم بمعابر منع عمليات تصدير أو تسويق أي بضائع من قطاع غزة، كما شمل القرار إنهاء صلاحية قرار توسيع مسافة الصيد في القطاع لموسم الصيد في الأشهر الثلاثة الماضية إلى تسعة أميال بدلًا من ستة.
ويترقب أن تظهر مخاطر القرار قريبا من خلال ضرب كل أركان القطاع واقتصاده المتدهور بالأصل في مقبل الأيام، خاصة وأن قائمة «الممنوعات» من البضائع لم يكشف عنها بعد، حيث هناك توقعات أن يكون من بين تلك القائمة مواد أساسية أخرى يحتاجها السكان في تدبير أمور حياتهم.
وكشفت تقارير إسرائيلية أن نتنياهو بقراره هذا استند إلى توصيات رفعتها المؤسسة العسكرية، كعقاب للسكان على إطلاق «الطائرات والبالونات الحارقة» التي أتت على الأحراش في مناطق «غلاف غزة».
ويعد هذا القرار الأول من نوعه الذي تصدره إسرائيل، بفرض عقوبات جديدة على غزة، بسبب إطلاق «الطائرات والبالونات الحارقة» التي لجأ إليها الفلسطينيون منذ انطلاق فعاليات «مسيرة العودة» يوم 30 اذار/مارس الماضي.
وحاول ليبرمان الدفاع عن قرار «العقاب الجماعي» لسكان غزة، من خلال القول أن هذه الطائرات تسببت في إحراق مساحة مدينة نتانيا، داعيا قيادة حماس للتوقف عن «الاستفزاز» وتلا ذلك أن عملت تقارير إسرائيلية للدفاع عن قرار «العقاب الجماعي» من خلال تهويل الخسائر التي وقعت بسبب «الطائرات والبالونات الحارقة» والإعلان أن تلك الوسائل تسبب في احتراق 30 ألف دونم من الأحراش والمزارع القريبة من حدود القطاع، وخسائر مالية كبيرة.
وبسبب المخاطر الكبيرة لقرار إسرائيل العقابي ضد غزة، والذي من شأنه أن يزيد من حجم مأساة السكان، برفع نسب الفقر والبطالة وتدهور الاقتصاد بشكل أكبر، خاصة وأنه يأتي مع مرور 12 عاما على فرض الحصار، قالت جمعية رجال الأعمال، أن العقوبات الجديدة من شأنها «شل الحركة التجارية، وتكبيد التجار ورجال الأعمال والمستوردين خسائر مالية فادحة» ودعت لعدم الخلط بين السياسة والاقتصاد، وإخراج احتياجات غزة الإنسانية من الحسابات السياسية، كون القطاع لا يحتمل المزيد من العقوبات.
ورفض نيكولاي ملادينوف منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، القرار الإسرائيلي، وطالب بوقفه، وعبر عن شعوره بالقلق إزاء النتائج المترتبة عليه.
كما نددت مؤسسات حقوقية بالقرار، ووصفته مؤسسة «الضمير» لحقوق الإنسان، بالخطير، كونه يمثل «عقوبات جماعية» تتنافى مع قواعد القانون الدولي الإنساني، واعتبرته حربًا إسرائيلية كاملة الأركان، مشيرة كذلك إلى أن القرار ينذر بكوارث إنسانية، وطالبت بتدخل دولي عاجل.
وأكد مركز «حماية حقوق الإنسان» أن الأوضاع الإنسانية في غزة، تتجه نحو مزيدٍ من التدهور بسبب القرار الإسرائيلي، وأبدى المركز «قلقه الشديد» من القرار، وحذر المجتمع الدولي من «الآثار الكارثية».
واعتبرت قيادة الفصائل الفلسطينية، أن إجراءات الاحتلال بتشديد الحصار وفرض «عقوبات جماعية» على الشعب الفلسطيني هو بمثابة خرق واضح لاتفاق الهدنة التي تم توقيعها عام 2014 و»إعلان حرب» جديدة على غزة، وقالت ان القطاع تحول إلى «قنبلة قابلة للانفجار «في أي لحظة» محملة الاحتلال المسؤولية عن كافة النتائج المترتبة على الخطوة.
هذا ولم يقتصر المخطط الإسرائيلي الجديد تجاه غزة، عند هذا الحد، بل لوح جيش الاحتلال لإخفاء فشله في صد تلك الأسلحة البدائية التي تطلق من غزة، بشن هجوم مسلح ضد القطاع.
وكشفت تقارير إسرائيلية، عن إرسال الجيش الإسرائيلي رسالة شديدة اللهجة لحركة حماس عبر «طرف ثالث» حملت تحذيرات بضربة عسكرية، حال استمرت عمليات إطلاق «الوسائل الحارقة». وذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية أن الجيش حذر حماس من وصول الأمور إلى «حافة الهاوية، ونهاية قدرة إسرائيل على التحمل» لافتا إلى أن الجيش جهز خلال السنوات الماضية خططاً عسكرية تدريجية، للتعامل مع القطاع من بينها احتلاله بالكامل، وهو يعد أكثر الخطط العسكرية تطرفا.
وحسب الصحيفة فإن الجيش غير معني حاليا بالذهاب نحو ضربة عسكرية واسعة النطاق، لأن ذلك سيوصل إلى عملية عسكرية شاملة وطويلة، خاصة في ظل استمرار التوتر على الجبهة الشمالية، وتوضح الصحيفة أن الجيش في حال استمرار إطلاق «الطائرات والبالونات الحارقة» سيرد من خلال عملية عسكرية قاسية تجاه حماس، باستهداف بنى تحتية مهمة للحركة.
يشار إلى أن جيش الاحتلال فشل في مواجهة «الطائرات الورقية والبالونات الحارقة» خلال الفترة الماضية، رغم وضعه منظومة رادارية على حدود غزة لهذا الغرض، وقام خلال الفترة الماضية باستهداف شبان بزعم قيامهم بإطلاق هذه البالونات، غير أن عمليات الاستهداف وفرض العقوبات الجديدة، لم تمنع وحدة الطائرات والبالونات الحارقة من عملها المعتاد، بل توعدت بتصعيد عملياتها خلال الأيام المقبلة.
وسجلت هذه الوحدة نجاحات جديدة بإطلاق العشرات من هذه الوسائل الحارقة صوب الأحراش الإسرائيلية القريبة من «غلاف غزة» ما تسبب في حدوث حرائق كبيرة وعديدة في تلك الأماكن.
11TAG