الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قادمة كالقدر المحتوم. لا شيء سيوقفها إلا العناية الإلهية. ولا يوجد، سياسيا، ما يفيد بأن هناك ما سيحول دونها. الأخذ والرد فيها ومحاولة إعطاء الانطباع بأن البلاد تعيش نقاشا ديمقراطيا صحيا وبأن الرئيس قد يفكر في التنازل عن كرسيه (الرئاسي)، لا تعدو كونها محاولة تضليل للخارج والحكومات الأجنبية التي، لسوء حظ المخططين، تعرف كل شيء بفضل سفاراتها وجواسيسها في الجزائر وفي غير الجزائر. الهدف هو الحكومات الأجنبية وحدها، وبدرجة أقل الرأي العام الغربي، لأن الرأي العام في الجزائر لا يهم ولا يستحق أن يُبلّغ بشيء.
في غياب أي جدوى للانتخابات، ومع فراغها من محتواها وغياب المؤمنين بها، يصبح موضوع النقاش لإبقاء المسرح مشغولا: هل يترشح بوتفليقة أم لا يترشح؟ ومّن كان الأول في دعوته لذلك؟
أحد «قادة» جوقة الولاية الخامسة، هو الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس. الرجل أوحى لصحافيين جزائريين السبت أن حزبه أدى واجبه القومي ودوره السياسي المطلوب منه بأن وجه رسالة طويلة للرئيس بوتفليقة يطلب منه، ليس الترشح، وإنما مواصلة مهامه على رأس الدولة الجزائرية. اصبح هذا الطلب هو منتهى الوطنية والإخلاص للبلد. ولد عباس ممثل بارع، لكنه كوميدي فاشل. تليق به أكثر الأدوار الدرامية المركبة والمأساوية التي يتقمصها بسهولة ويؤديها بعفوية وجرأة منقطعتي النظير متفوقا على كل الممثلين في مسرح السياسة الجزائرية. الرجل الذي لم يلتق الرئيس بوتفليقة منذ أكثر من سنة، يتكلم عنه بثقة وبأوصاف تعطي الانطباع بأنه يقاسمه غرفة نومه. لا أحد يصدّقه، لكن حتما لا أحد يستطع أن يكذبه لأن الحلقة الرئاسية في البلاد مقفلة كمحفل سريّ.
ولد عباس واثق من أن الرئيس بوتفليقة سيترشح. وواثق كذلك من أنه لا يحتاج إلى دعوة أو إقناع. ويدرك أن الدعوة للترشح ترضي غرور بوتفليقة الشخصي فقط، ولا نفع لها أو أثر على الصعيد السياسي. يعرف ولد عباس كل ذلك ليس من علم مؤكد، بل لأنه واثق، مثل كل الجزائريين، أن الرجل يرفض أن يحيا يوما واحداً تحت مسمى «الرئيس السابق».
موضوع النقاش المقبل، وبعد أن تتأكد «موافقة» بوتفليقة على «مواصلة مهامه»، سيكون حول من كان السَبَّاق لدعوته لذلك. وهذه ليست بدعة اليوم، بل سابقة في الانتخابات الماضية عندما تنافست أحزاب وجمعيات حول من كان الأول في دعوة السيد بوتفليقة للترشح. ثم تلى ذلك عناد حول من جلب له العدد الأكبر من التوقيعات. أعقبه نقاش حول مَن حقق له العدد الأكبر من الأصوات، علما أن لا أحد من أشباه ولد عباس، وهم كثيرون، يجرؤ على الإقرار بأن منطقته (أو حزبه أو تنظيمه النقابي) لم تصوّت لبوتفليقة أو قصّرت في ذلك.
على رأس قائمة المتنافسين حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. وهما أقرب إلى جهازين بيروقراطيين يعيشان على الامتيازات والرشى السياسية منهما إلى حزبين. وفي القائمة أيضا أحزاب أخرى لن تبقى يوما واحداً لو تُرفع عنها حماية الأجهزة الإدارية مقابل دعمها الأعمى لكل سياسات وقرارات نظام الحكم. ثم هناك نقابات وتنظيمات لا تختلف في سبب وجودها عن الأحزاب المذكورة آنفا.
هذه الجهات والقائمون عليها كانت هي الأدوات التي جرّف بها بوتفليقة الحياة السياسية في الجزائر. وكانت هي الأذرع، إلى جانب الإدارة وقطاع واسع من الإعلام، التي ضرب بها كل من تجرأ على التفكير في الاختلاف معه.
إذا كانت من قراءة لهذا الحال، فهي أنها صورة لدرك أسفل من الإفلاس السياسي والبؤس الفكري لم يسبق أن جربتهما الجزائر. يتحمل مسؤوليتهما الرئيس بوتفليقة، ومحيطه، لأنه طيلة عشرين سنة في الحكم أوجد بيئة خصبة لنمو الطحالب وانتشار الذباب السياسي. في وضع سويّ لا يجب أن يتشرف أحد أن يدعمه هذا الذباب السياسي.
غير أن صلب النقاش ليس في الولاية الرئاسية الخامسة. وليس حتى في بوتفليقة على الرغم من حالته الصحية المتدهورة التي تتطلب منه الذهاب إلى بيته اليوم قبل الغد. المعضلة تكمن في منظومة الحكم التي بدل أن تدير البلاد أخذتها رهينة وعاثت فيها فساداً. مع منظومة كهذه، وبجرأتها الفائقة على فعل أي شيء وثقتها العمياء في النفس، وصمتُ الحكومات الغربية المتواطئ معها، يصبح بوتفليقة جزءا صغيرا من المشكلة. حتى إذا افترضنا جدلا أن بوتفليقة، لسبب أو لآخر، لن يترشح مرة خامسة، فستأتي المنظومة ببوتفليقة آخر وستواصل العجلة دورانها.
بوتفليقة دخل التاريخ بجرأته على إنهاء سطوة جهاز المخابرات. لكنه خرج منه بأن أوجد بدائل أسوأ عشرات الأضعاف، وبإصراره على التمسك بذلك الكرسي الهش. رغم كل ذلك تبقى المشكلة أكبر منه.
٭ كاتب صحافي جزائري
توفيق رباحي
منذ عقود، الانتخابات الجزائرية لا تتعدى %10 يعني قانونيا تلغى ، فى ما يخص الرئيس شفاه الله وللمسلمين جمعاء ، لا أحد يجهل أن الرئيس مريض ومغيب تماما عن الحكم، ورجل في سنه يفترض أن يرتاح وهذا ما نادت به اخته منذ اعوام في جريدة , شخصيا أصبحت أستحي من أن أتحدث عن الرئيس أو أنتقده، لأن ذلك أصبح غير لائق من الناحية الإنسانية، لكني ألوم بشدة المحيطين به مصاصي الدماء Vampires الذين يستعملونه ولا يراعون مرضه.
استاذ رباحي…هذا ما جناه الرئيس الحاضر الغائب على نفسه…عندما كان في كامل قِواه العقلية و البدنية ، اول ما فعله قام بتعديل الدستور من اجل افساح الطريق له …فقد قام بفتح العهدات التي كانت محصورة في اثنتين فقط ، وجعل من نفسه رئيس مدى الحياة، عبر انتخابات صورية مزورة…اي ان الرجل يتحمل جزء كبير من المسؤولية على ما آلت إليه الأوضاع و خاصة السياسية في البلاد من فراغ و تدهور و هشاشة في مفاصل نظام الحكم برمته ، أدت إلى نوع من الغموض و عدم الاستقرار و نشوء صراع بين أصحاب المصالح و عدم اتضاح رؤية مستقبلية لطبيعة منظومة الحكم برمتها ، و هذه نتيجة طبيعية لحكم أنظمة فاشلة ، لا يهمها سوى مصالحها و ما تجنبه من عواءد، اما الباقي فليذهب الى الجحيم و المقصود هنا ( هو الشعب ) . و شكرا لقدسنا الموقرة