بغداد ـ «القدس العربي»: حذّر مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، من خطورة أن تُنشئ التظاهرات التي تشهدها محافظة البصرة وعدد من المدن الجنوبية الأخرى، تنظيماً إرهابياً جديداً يشبه تنظيم «الدولة الإسلامية» لكن بـ«لون مختلف»، فيما كشف عن حجم الأضرار التي خلفتها العمليات العسكرية في مناطق شمال وغرب العراق.
«القدس العربي» أجرت حواراً موسّعاً مع المستشار المقرّب من رئيس الوزراء العراقي، تطرق فيه إلى الحراك الاحتجاجي الذي تشهده محافظة البصرة، الغنيّة بالنفط، منذ نحو أسبوعين، إذ أعتبر أن المشكلة «لا تتعلق بمحافظة البصرة فقط، بل في عموم العراق»، عازياً السبب إلى «ضياع النهج الاقتصادي على مدى عقد من الزمن، وعدم وضوح الرؤية. هذه مسؤولية السياسات العامة للدولة».
وأضاف: «هناك مسؤولية أخرى تقع على عاتق الحكومات المحلية المتعاقبة للبصرة، التي جاءت بانتخاب أهالي المحافظة، لكنها لم تؤد واجباتها بشكل صحيح، وانغمست في صراع الأحزاب والفساد. أزمة المياه وكهرباء والخدمات في البصرة، وتعطيل القوى العاملة فيها، جاءت نتيجة هذه التراكمات».
وبين أن «الإصلاح في البصرة يجب أن يكون على مستوى الإدارات المحلية للمحافظة، التي يجب أن تكون بعيدة عن السياسة وقريبة من توفير الخدمات. هذا من أبرز خصائص النظام اللامركزي، وقانون مجالس المحافظات رقم 21، الذي يعطي صلاحيات واسعة للحكومات المحلية». وتابع: «على سبيل المثال، هناك مشروع كبير يخص الموانئ في محافظة البصرة، تعطله الوزارة كون الوزير من حزب والمحافظ من حزب آخر، على الرغم من أن المشروع ممول من جهة دولية. وفقاً لهذا النهج يتم تعطيل الخدمات بسبب الصراعات الحزبية، على حساب أهالي المحافظات».
وعدّ صالح، الحراك الاحتجاجي في محافظة البصرة، «حق من حقوق المواطنين كفله الدستور العراقي»، لكنه أعرب في الوقت ذاته عن خشيته من أن «يؤدي هذا الغليان الشعبي إلى تدخل قوى خارجية لا تريد للعراق خيراً، أو يؤدي إلى نشوء داعش جديد لكن بلون مختلف. نخشى من الطابور الخامس والمندسين، الذين يسعون إلى حرف التظاهرات عن سلميتها، وتشويه مطالبها الحقة». ودعا، «الحكماء والعقلاء من قادة التظاهرات، إلى الجلوس مع اللجنة الوزارية الحكومية والاتفاق على المطالب المراد تحقيقها وسقوف زمنية لتنفيذها، وليس الهجوم على الشركات النفطية والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة».
وأضاف: «العراق مر بأزمتين أمنية واقتصادية منذ عام 2014 وحتى حزيران/ يونيو 2017، في ظل الحرب ضد داعش، والتدهور الكبير في أسعار النفط ـ الذي يعدّ المورد الرئيسي لموازنة الدولة العراقية. هذه الأزمات انعكست بشكل مباشر على محافظة البصرة، وغيرها من بقية المحافظات التي لا تعيش وضعاً أفضل من البصرة».
لكنه لفت أيضاً إلى أهمية «إعطاء فرصة للحكومة، بكون إن البلد يمر الآن بمرحلة انتقالية، ونحن على أبواب تشكيل حكومة جديدة. الوقت غير مناسب لاضطراب الأوضاع الآن».
ورأى صالح، وهو نائب محافظ البنك المركزي العراقي السابق، أن إجراء العبادي بإرسال وفد وزاري يمثل جميع الوزارات القطاعية المهمة، برئاسة وزير النفط الاتحادي، من أبناء البصرة، «خطوة مهمة، كما أن القرارات التي صدرت مؤخراً بشأن معالجة أزمة الكهرباء والماء وفرص العمل مهمة أيضاً».
إنهاء ملف النزوح
كذلك، تحدث المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، عن جهود الحكومة في إعادة النازحين إلى مدنهم، وأبرز العقبات التي تعترض طريق ذلك، لافتاً في الوقت عيّنه إلى حجم الدمار الذي خلّفته العمليات العسكرية في المحافظات الشمالية والغربية.
وقال: «منهج إعادة الاستقرار، يتعلق بتوفير حد أدنى من الحياة المستقرة لعودة النازحين إلى مناطقهم، بكون إن عودة النازحين هو جزء من عملية بناء السلام والاستقرار، وبقاؤهم خارج مدنهم يعني إن المشكلة لا تزال قائمة».
وأضاف: «أبرز متطلبات الحد الأدنى لعودة النازحين، هي توفير المياه الصالحة للشرب، وإعادة شبكات المياه المدمرة إلى العمل، إضافة إلى المأوى وتوفير أماكن للسكن لمن دمّر منزله، فضلاً عن تشغيل الدوائر الخدمية في المدينة كمراكز الشرطة والمدارس والمراكز الصحية وغيرها».
وأشار المسؤول العراقي إلى «أمر أساسي آخر» تعتمد عليه عملية إعادة النازحين، وهو «رفع الألغام والمخلفات الحربية».
وكشف عن «تدفقات مالية جاءت لبرنامج إعادة الاستقرار، من خلال الموازنة العامة للدولة، بنحو نصف تريليون دينار (أكثر من 400 ألف دولار)، وتدفقات أخرى من المنظمات الدولية والدول المانحة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بحدود ملياري دولار».
وتابع: «خطة الحكومة في عام 2018، تتضمن عودة أكثر من 45٪ من النازحين إلى مناطقهم، فيما سننتهي من ملف النزوح في عام 2019»، موضّحاً إنه «في محافظة صلاح الدين، هناك عودة لأكثر من 80٪ من النازحين، وفي الأنبار تم عودة نحو 90٪ من نازحي الفلوجة، أما في مدينة الرمادي فهناك بعض الإشكالات بسبب تدمير بعض المناطق، لكن هناك عودة جيدة. المشكلة الأساس في مدينة الموصل، وتحديداً الجانب الأيمن والمدينة القديمة. الحياة عادت للساحل الأيسر بشكل كامل».
التحدي الأكبر
واعتبر مستشار العبادي، أن «الإعمار الشامل» التحدي الأكبر، مبيناً أن «قبل مؤتمر الكويت للدول المانحة لإعادة إعمار العراق ـ جرى في شباط/ فبراير الماضي، الذي يمثل إشارة إيجابية تدل على أن المجتمع الدولي مناصر للعراق، تم طلب تقييم للخسائر. الدولة أجرت هذا التقييم بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات السكانية، وقدّرت المساكن المدمّرة في الموصل بنحو 150 ألف منزل».
وطبقاً للمسؤول العراقي، فإن الوزارات القطاعية قدرت الأضرار أيضاً ـ التي هي على شكلين، منها ما يتعلق بالممتلكات الحكومية وبنيتها التحتية، تقدر بنحو 47 مليار دولار، فيما بلغت الأضرار في الممتلكات العامة للمواطنين بنحو 43 مليار دولار»، في حين «خرج المؤتمر بتعهدات ـ قد تتحقق وقد لا تتحقق، بقيمة 30 مليار دولار فقط».
وأضاف: «تلك التعهدات أتت من دول ومن مؤسسات مالية متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها»، لافتاً إلى أن «العراق وعن طريق الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أرسل إلى الدول والمؤسسات المتعهدة، استمارات مساهمة، لملئها وإعادة إرسالها من جديد».
وأكد أن «بعض الدول ـ لم يسمها، لم ترسل الاستمارة حتى الآن (وقت إجراء الحوار)، لكنها وعدت بإرسالها»، موضّحاً أن «أكثر من 75٪ من هذه الاستمارات تم ملئها وإعادة إرسالها إلى العراق، وتتم الآن عملية فرزها»
وتابع: «جزء من هذه التعهدات هي عبارة عن قروض طويلة الأجل وميسّرة، تتضمن فترة سماح تصل إلى نحو عشر سنوات، إضافة إلى نسبة قليلة جداً من الفوائد»، فضلاً عن «قروض اعتيادية أخرى»، لافتاً إلى إن الدولة العراقية تعمل على «تصنيف هذه التعهدات حسب أهميتها وتأثيرها، وتقدم الأهم على المهم منها».
اشتراطات دولية
في المقابل، كشف صالح عن تقديم دول تركيا والإمارات والسعودية، «قروضاً كبيرة للعراق خلال المؤتمر، تقدر بنحو ثلث المبلغ (30 مليار دولار) الذي حصل عليه العراق»، لكنه أشار إلى «اشتراط هذه الدول تنفيذ المشاريع بنفسها»، فيما «اشترطت دول أخرى على تنفيذ المشاريع في مناطق محددة».
وعن سبب تلك الشروط، قال: «هذه الدول تسعى إلى تشغيل شركاتها، ومنها ما تخشى من الفساد، لكن بالنتيجة كل قرض سيكون له اتفاقية خاصة وشروط بمعزل عن بقية القروض الأخرى»، مبيناً: «ننتظر تقرير الأمانة العامة لمجلس الوزراء، الذي سيوضح ترجمة هذه التعهدات إلى حقائق على أرض الواقع».
وعرّج إلى إجراء حكومي جديد يسعى لطمأنة الدول والشركات الأجنبية التي تخشى من ضياع أموالها في جيوب «الفاسدين»، عبر «تشكيل اللجنة العليا للمشاريع والاستثمار، برئاسة العبادي، تتولى الإشراف على المشاريع الاستراتيجية والحساسة والمهمة في عموم العراق، بما فيها المناطق المحررة»، مشيراً إلى إن «جزءاً من مشاريع إعادة الإعمار سيمر من خلال هذه اللجنة. هذا أمر مهم في التقليل من الفساد».
وتابع: «عدد من سفراء الدول المساهمة في إعادة الإعمار، سألوني عدّة مرات عن الخطوات التي تتخذها الحكومة العراقية لمكافحة الفساد، وكان لهم انطباع جيد عندما علموا إن مجلس الاعمار (لجنة العبادي) هو الذي ستشرف بنفسها على المشاريع»، مبيناً إنه «لا مانع للعراق في أن يراقب أي جهد دولي تنفيذ المشاريع، بكون إننا نريد ضمان صرف هذه الأموال بحق، وأن لا يتم استغلالها».
ورأى الخبير المالي والاقتصادي العراقي إن جهود إعادة الإعمار «ستأخذ مساراً أسرع في التنفيذ بعد تشكيل الحكومة الجديد»، منوهاً إلى إن العراق «يمر بمرحلة انتقالية يجب أن لا تطول، وإذا طالت ستكون عاملا معرقلاً للنمو والاستثمار».
كذلك، لفت صالح إلى إن حجم الدمار الذي لحق بالمستشفيات والوحدات الصحية في مدينة الموصل، نتيجة الحرب ضد تنظيم «الدولة»، فبعد أن كانت «طاقتها الاستيعابية تقدّر بنحو 7 آلاف سرير، أصبحت طاقتها اليوم تقدر بـ300 سرير فقط»، مبيناً إن «التنظيم استهدف جميع المستشفيات والوحدات الصحية بالمدينة، ناهيك عن المدارس والجسور».
أما عدد الجسور التي دمّرت بين السنوات (2014 ـ 2017) في عموم المحافظات التي سيطر عليها التنظيم، فتقدر «بنحو 130 جسراً، أغلبها في محافظة نينوى». على حدّ قوله.
وفيما اعتبر إن «خطة إعادة الإعمار تحتاج إلى وقت طويل»، أشار إلى أبرز الأسباب التي تعيق عملية رفع الأنقاض، وهي «كثرة الألغام والمخلّفات الحربية القابلة للانفجار. لذلك العمل يكون بطيئا وحذرا جداً».