عاد غيفارا والليندي فهل سيعود عبد الناصر؟

حجم الخط
0

عاد غيفارا والليندي فهل سيعود عبد الناصر؟

عوني فرسخعاد غيفارا والليندي فهل سيعود عبد الناصر؟ أسفرت الانتخابات النيابية التي جرت في أمريكا اللاتينية مؤخرا عن فوز كل من: لويس ايناسيو في البرازيل، وهوجو شافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، وميشال باشيلي في تشيلي. ويكاد يجمع المحللون السياسيون علي اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية علي أن الأحزاب والحركات التي أوصلت القادة الأربعة لسدة الحكم تجسد تيارا يعبر عن النهج السياسي ـ الاجتماعي الذي كان يدعو له غيفارا وملتزما به الليندي. بما يعني أن ثلاثة أرباع شعوب أمريكا اللاتينية، حين منحت القادة الأربعة تأييد أغلبيتها في انتخابات برلمانية غير مطعون بها، عبرت عن رفضها السياسيات التي اعتمــــدتها الأنظمة الموالية للولايات المتحدة التي توالت علي الحكم منذ اغتيال غيفارا سنة 1968 وإسقاط حكومة الليـــندي سنة 1973 بانقلاب عسكري دبرته المخابرات المركزية الأمريكية.والانتصار الذي حققته شعوب الأقطار الأمريكية اللاتينية الأربعة، وتوقع فوز اليسار في انتخابات نيكاراغوا المقبلة، مؤشر واضح الدلالة علي أن الإدارة والأجهزة والشركات الأمريكية باتت تواجه تحديات غير مسبوقة فيما كانت تعتبره حديقتها الخلفية. إذ لم تعد كوبا بقيادة كاسترو وحدها التي تجسد التمرد علي انتهاك واشنطن السيادة الوطنية لشعوب القارة اللاتينية، واستغلال الشركات الأمريكية لثرواتها الطبيعية وأسواقها وتأثيرها السلبي في تطورها الاقتصادي، وانعكاسات الإعلام الأمريكي علي ثقافة أجيالها الشابة ووعيها السياسي والاجتماعي. وبقدر ما أثلجت انجازات شعوب أمريكا اللاتينية قلوب الملتزمين بالهم القومي العربي وأشاعت التفاؤل لدي غالبيتهم، بمقدار ما بعثت لدي بعضهم التساؤل عما إذا كان الواقع العربي، بما يواجهه من تحديات مصيرية، ينطوي علي محفزات لحراك سياسي ـ اجتماعي يعيد إنتاج النهج القومي الوحدوي التحرري لعبد الناصر في صيغة عصرية؟ أم أن الظروف الإقليمية والدولية، وغياب الكتلة العربية التاريخية ذات المصلحة بالتحرر والوحدة، تجعل من ذلك مجرد أمنية رغائبية ليس في الأفق المنظور ما يوحي بإمكانية تحققها؟ وفي الإجابة عن التساؤل المطروح ألاحظ أن النهج القطري العربي، الذي شهد انتعاشا كنتيجة لانحسار المد القومي العربي وإجهاض التجربة الناصرية، لم يحقق الديمقراطية والتنمية واستقلال الإرادة الوطنية أو أيا من شعارات رموزه القائدة والإعلام الذي روج له يومذاك. وفي تقارير التنمية الإنسانية العربية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للأعوام 2002 ـ 2004 ما يؤكد عجز وقصور الأنظمة العربية علي مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية. ولم يعد خافيا أن النظام الإقليمي العربي، الذي تجسده جامعة الدول العربية، هو اليوم أكثر النظم الإقليمية عرضة للمداخلات والاختراقات الخارجية، وبالذات الأمريكية. وأن غالبية دوله الأعضاء، إن لم تكن جميعها، فاقدة المنعة وعاجزة عن توفير متطلبات الوفاء باحتياجات مواطنيها المتزايدة بنسب أعلي من معدلات نمو دخولها الوطنية، وليس من بينها قطر واحد لا يواجه تحديات تهدد استقراره حاضرا ومستقبلا. ولم يعد خافيا أن الواقع العربي المأزوم علي الصعيدين القطري والقومي، صار محفزا لمطامع مختلف القوي المحلية والإقليمية والدولية التي تري في حالة الضعف العربي المستشرية فرصتها التاريخية لتحقيق مكاسب علي حساب الشعب العربي في كل قطر. ويظل التحدي الأمريكي المتمثل باستراتيجية الفوضي البناءة الملتزمة بها الإدارة الأمريكية هو التحدي الأعظم والأشد خطورة. حيث انها إستراتيجية تستهدف تفكيك البني المجتمعية لمعظم الأقطار العربية، لإعادة تركيبها في نظام الشرق الأوسط الكبير المكون من كانتونات عرقية وطائفية تديرها إسرائيل في الفلك الأمريكي. وعملية التفكيك، كما هي جارية فصولها في العراق المحتل، إنما تستهدف إلي جانب تمزيق النسيج الوطني في القطر المعني تهميش هويته العربية لمصلحة الانتماءات دون الوطنية: الطائفية والعرقية والعشائرية، علاوة علي إذكاء النزاعات فيما بين فئاته الاجتماعية وإهدار قدراتها في صراعات لامجدية، بحيث تغدو فاقدة المنعة تجاه الاختراقات الأمريكية والأوروبية والصهيونية. كما أن فيما هو جار في لبنان من إعادة إنتاج نزاعات أمراء الطوائف والاستقواء بالقوي الدولية مثالا آخر علي المخطط المرسوم أمريكيا وأوروبيا للوطن العربي. وحين تقرأ التجربة الناصرية بموضوعية يتضح أنها التزمت نهجا شديد الحرص علي السيادة الوطنية وحرية الإرادة القومية، واضح العداء للهيمنة الاستعمارية والتبعية سياسيا واقتصاديا وثقافيا. نهجا عاملا للوحدة المؤسسة علي قرار شعبي ديمقراطي، ومنحازا لمصلحة الغالبية التي لم تكن تمتلك الإمكانيات المادية لممارسة حقوقها الدستورية، باعتماده التنمية المستقلة وتكافؤ الفرص والديمقراطية الاجتماعية، فضلا عن الوفاء بمتطلبات التضامن العربي لمواجهة إســــرائيل. ناهيك عن القيام بدور قيادي في حركة الحياد الايجابي وعدم الانحياز، ودعم حركات التحرر الوطني في العالم الثالث، بحيث لعب العرب دورا ملحوظا في السياسة الدولية. وليس ينكر أن الواقع العربي الراهن هو النقيض تماما لما كانت عليه الحال عشية رحيل عبد الناصر. خاصة واقع النخب المسكونة بثقافة الهزيمة المدعية بأن العرب لم يعد لهم حول ولا قوة، وأن الواقعية تقضي القبول، ولو علي كره، بما ترسمه الإدارة الأمريكية للمنطقة، والهرولة باتجاه التطبيع مع إسرائيل باعتبار ذلك سبيل اتقاء مخاطر وتداعيات استراتيجية الفوضي البناءة الأمريكية. غير أن الواقعية بالمفهوم الإنساني ما كانت منذ فجر التاريخ تعني الخضوع الآلي للواقع والاستسلام القدري لأحكامه. فالإنسان ميزه خالقه عن بقية عناصر المملكة الحيوانية بالعقل المبدع والإرادة الفاعلة والتاريخ المعلم، بحيث استطاع بالاستفادة من تجاربه السلبية والايجابية الانتقال من التقاط الثمار في الغابات إلي ارتياد الفضاء. والأمة العربية ما استسلمت يوما للواقع المأزوم واستكانت لإرادة الغزاة والمحتلين الذين توالوا علي اغتصاب ترابها القومي. ويعلمنا التاريخ العربي أن شعوبنا طالما وجدت في العدوان الخارجي محفزا لنهوض قومي يفاجيء العدو بما لم يكن يتصوره. وفي العراق وفلسطين ولبنان أمثلة حية علي إبداعات الفعل المقاوم. كما أن الحراك السياسي الذي تشهده مصر، صاحبة الدور القومي التاريخــي، ينطوي علي احتمالات واعدة. ثم إن الفكر القومي العربي لم يبق عند حدود ما انتهت إليه التجربة الناصرية، وإنما شهد علي مدي السنوات الخمس والثلاثين الماضية عملية مراجعة جذرية، أدي فيها مركز دراسات الوحدة العربية ومديره العام د. خير الدين حسيب دورا رائدا يذكر لهما. وذلك بإجراء سلسلة حوارات وندوات مع مختلف أجنحة التيارات: القومية والإسلامية والليبرالية والماركسية، توجت بإقامة المنظمة العربية لحقوق الإنسان والمؤتمر القومي العربي، الذي أسهم في إقامة المؤتمر القومي ـ الإسلامي. وقد انتهي المؤتمران مع الـــمؤتمر العربي العام إلي تحديد الأهداف القومية في التحرر والوحدة والديمقراطية والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والتجدد الحضاري. ومما سبق يتضح ان من أبرز معالم الواقع الدولي والإقليمي إنجازات شعوب أمريكا اللاتينية، والمقاومة في الأرض العربية، وتجدد الفكر القومي العربي، والتقاء قادة الحراك السياسي العربي علي اعتبار التكامل القومي ذي البعد الديمقراطي السبيل الوحيد لتقديم الاستجابة الفاعلة في مواجهة مخطط التفتيت وطمس الهوية القومية المعتمد من التحالف الأمريكي ـ الصهيوني. وعليه يغدو مبررا التفاؤل باحتمالات استعادة الأمة العربية نهوضها من جديد وفق الأسس التي قامت عليها تجربة عبدالناصر، الذي لما تزل صورته تحتل موقعها المتميز في صدور بيوت ومكاتب أبناء أمته ما بين المحيط والخليج. ہ كاتب فلسطيني يقيم في الامارات8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية