«قصص من النرويج»: من الرؤوس النووية إلى جاستن بيبر

حجم الخط
0

يقدم الأخوان «فيغارد إلفيس» و«بارد إلفيس» أغلب أغنياتهما باللغة الإنكليزية ما حقق لهما الانتشار الواسع والشهرة العالمية منذ عام 2013 من خلال أغنية «ماذا يقول الثعلب» التي احتلت المراكز الأولى حول العالم آنذاك، وما تلا ذلك من ألبومات غنائية متميزة من حيث حداثة الموسيقى وطرافة الأفكار والكلمات، ويعد هذا الثنائي الذي يعبر عن ثقافة ذلك الجزء الشمالي من أوروبا نموذجاً مثالياً لحرية الإبداع المطلقة والقدرة الدائمة على الابتكار والانطلاق بلا حدود في مغامرات فنية دون التقيد بأية قواعد أو قوالب تقليدية، وبذل الجهد الهائل والثقة الكبيرة وعدم الخوف من تقديم الأفكار الجديدة، وبفضل موهبة ضخمة يمتلكها كل من «فيغارد» و»بارد» في الغناء والتمثيل والرقص والتأليف الموسيقي والكتابة بشكل عام سواء الكتابة الدرامية أو كتابة كلمات الأغاني، يذهبان دائماً إلى مناطق فنية وإبداعية لم يسبقهما إليها أحد، وبعيداً عن الالتزام بوسيط محدد يعملان على تقديم أفكارهما من خلال المسرح والدراما المتلفزة وتقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية وإصدار الألبومات الغنائية، كل هذا تحت مظلة الكوميديا فهي الطريقة السحرية التي يعتمدان عليها لتوصيل أفكارهما ورسائلهما إلى العالم واجتذاب أكبر عدد من المتلقين وإثارة العقول وحثها على المشاركة والتفكير.
وفي أحدث أعمالهما «قصص من النرويج» إنتاج التلفزيون النرويجي 2018 ابتكر الأخوان «إلفيس» نوعاً فنياً جديداً يمزج عدة أشكال فنية في عمل واحد يمكن تصنيفه كمسلسل غنائي وثائقي، فهو مسلسل تتناول كل حلقة من حلقاته حكاية ما حدثت بالفعل في النرويج ومن هذه الحكايات ما يمتد لأكثر من حلقة، وهو ميوزيكال مكتمل الشروط الفنية فلا وجود للحوار أو المشاهد التمثيلية إلا من خلال الأغاني التي تحتوي على كل شيء من حوار وحبكة وسرد لأحداث القصة، فيستطيع المشاهد أن يعرف كل شيء عن الحكاية من خلال الأغنية فحسب، وهو برنامج وثائقي أيضاً يحتوي على لقطات توثيقية تأتي كفواصل بين الأغنيات ومقاطع من نشرات الأخبار التي تناولت الحدث وقت وقوعه، بالإضافة إلى ظهور بعض أبطال الحكايات الحقيقيين وعرض لقطات حية لهم أثناء مرورهم بالأحداث، وكذلك مقاطع لبعض شهود هذه الحوادث وهم يقومون بالتعليق عليها حصرياً للمسلسل، تم تقديم العمل باللغة الإنكليزية ما عدا بعض هذه المقاطع التوثيقية وشهادات هؤلاء الأشخاص التي كانت باللغة النرويجية وكان بعضها بالإنكليزية أيضاً، كما يمزج العمل الدراما بالكوميديا ويقوم «فيغارد» و»بارد» بتجسيد جميع الشخصيات الرئيسية حتى وإن كانت فتاة مراهقة أو لوحة تشكيلية أو صاحبة سمو ملكي.

تنوع موسيقي هائل

يتناول المسلسل موضوعات متنوعة بدءاً من مأساة الصواريخ المدمرة والرؤوس النووية التي تهدد البشرية بأكملها، انتهاء بحالة المغني «جاستن بيبر» التي هي مأساة من نوع آخر، ويحتوي على تنوع موسيقي هائل وتضم كل حلقة من أربع إلى خمس أغنيات، حيث يستمتع المشاهد بغناء كل من «فيغارد» و»بارد» وصوتهما الرائع وقدرتهما على أداء كافة الأنواع الموسيقية، وكذلك الرقص الذي يجيدانه بمهارة وقاما بتوظيفه درامياً في هذا العمل فكان التعبير بالجسد وحركاته على أنغام الموسيقي في بعض المشاهد جزءاً أساسياً من سرد الأحداث حمل الكثير من المعاني التي ربما لا تكفي الكلمات للتعبير عنها، كما بدا الأخوان «إلفيس» وكأنهما يملكان الموسيقى بأكملها في أيديهما يلعب كل منهما بها كما يشاء، والمعروف أنهما يتمتعان بموهبة كبيرة في صناعة الموسيقى ويقومان بعمل الأغنيات لغيرهما من المغنين في العالم مثل «كيتي بيري» و»ريهانا» كما يجيد كل منهما العزف على أكثر من آلة موسيقية كلاسيكية، ومع تقديمهما للجديد في هذا العمل فقد استلهما ما يقرب من كافة أشكال الموسيقى بما يلائم طبيعة كل حلقة وما فيها من دراما وكوميديا، فنستمع إلى أهازيج هدهدة الأطفال والموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الحديثة من «بوب وراب وآر آند بي وهيب هوب» وموسيقى الأفرو أمريكان والجاز، وموسيقى الأربعينيات والخمسينيات الراقصة كما في أفلام «جين كيلي» وموسيقى الحركة والإثارة كما في أفلام جيمس بوند في السبعينيات، والغناء وفق تقاليد برودواي العريقة والغناء الجماعي الحماسي كما في ميوزيكال «البؤساء» ، والأغنيات العاطفية المؤثرة، وموسيقى الفالس والتانغو، ورقص الملوك والأمراء في ساحات القصور في القرن الثامن عشر، والموسيقى التلقيدية النرويجية، وكذلك الموسيقى الشعبية الروسية في حلقة الأسلحة النووية. تتناول حلقة الأسلحة النووية تلك الحادثة التي وقعت في النرويج في عام 1995 عندما أطلق النرويجيون صاروخاً نووياً من قاعدة عسكرية في جزيرة اندويا في خضم عملهم على أبحاث سلمية، وانحرف الصاروخ واتجه نحو الأراضي الروسية وظن الروس أنه صاروخ نووي قادم من أمريكا وكادت تشتعل حرب عالمية جديدة، ولم يمنع حدوثها سوى الرئيس الروسي في ذلك الوقت «بوريس يلتسين» الذي لم يستجب للضغوط الهائلة في بلده ولم يقم بالضغط على زر الرمز السري الخاص بإطلاق الصواريخ النووية، وعلى الرغم من سخرية الحلقة من «يلتسين» والذي يجسد شخصيته «بارد» إلا أنها تشكر له فضل إنقاذ العالم من كارثة حرب عالمية جديدة، حتى وإن كان ذلك بسبب إدمانه على الكحول أو لأنه كان محباً للثقافة الأمريكية التي تسخر منها الحلقة أيضاً، حيث يجسد «فيغارد» شخصية ميكي ماوس أو ميخائيل ماوس كما يناديه «يلتسين» عندما يظهر أمامه بينما هو ممسك بزجاجة الفودكا ويطلب منه «ميكي» ألا يضغط الزر لأنه إن قام بالضغط عليه لن يعرف ما إذا كان «روس» و»ريتشل» أبطال مسلسل «فريندز» الشهير سيعودان إلى بعضهما البعض أم لا. ومع خاتمة قوية لهذه الحلقة على أنغام أغنية ساخرة بعنوان «لن نستخدمها أبداً» يظهر على الشاشة تصاعد أرقام الأسلحة النووية التي تمتلكها كل دولة والسباق المحتدم لامتلاك أكبر قدر منها، ثم تظهر صورة «ترامب» مكتوب عليها «لن يكون رئيساً أبدا» في إشارة إلى أنه كما كان البعض يعتقد أنه لا يمكن لترامب أن يصبح رئيساً، لا يزال البعض يصدق مقولة: لن نستخدمها أبداً.

المغني خذل جمهوره

أما حلقة «جاستن بيبر» فتتناول واقعة حفله الغنائي في أوسلو عام 2015 والذي لم يكن حفلاً عادياً لأن المغني خذل جمهوره في النرويج وأهانهم إهانة بالغة عندما قرر عدم إكمال الحفل بعد أن غنى أغنية واحدة فقط، لأنه أسقط زجاجة مياه كانت في يده على خشبة المسرح وعندما قامت فتاة في الصفوف الأمامية بمحاولة تجفيف المياه أمرها بالتوقف، وعندما لم تطع أوامره قرر عدم إكمال الحفل وغادر المسرح مسرعاً، ما سبب انهياراً كاملاً لجمهوره من المراهقات المنهارات أصلاً من فرط إعجابهن به، وبعضهن قطع أكثر من ثلاثة عشر ساعة بالحافلة من أجل حضور الحفل، تسخر الحلقة من الجميع وتضع اللوم على الجميع المشارك في صناعة هذه الحالة والمسؤول عن استمرارها وتفاقمها ، فبينما يجسد «بارد» شخصية بيبر، يؤدي «فيغارد» دور الصحفي التلفزيوني الذي يطلب من الجميع التوقف عن متابعة الأخبار المهمة ونسيان «المأساة السورية» لأن جاستن بيبر قادم إلى النرويج، كما تسخر الحلقة من البوليس النرويجي الذي أرسل فرقة شرطية إلى لندن للتدرب على كيفية حماية «بيبر» من المراهقات المهووسات به، ويؤدي «فيغارد» أيضاً دور فتاة مراهقة تتوسل إلى «بيبر» ألا يتحول إلى إنسان عادي وأن يظل كما هو الفتى المدلل المعزول عن العالم الذي لا يسافر إلا بطائرته الخاصة، وعندما يرى آلة خلط مواد البناء لا يعرف ما هو هذا الشيء، ويحمله حارسه الشخصي الضخم على ذراعيه كالطفل ويصعد به سلم الطائرة لينام في سريره الوثير في طائرته الخاصة، وفي نهاية الحلقة عندما تقول له هذه الفتاة: شكراً لك. يقوم «بيبر» بسبها بلفظ بذيء، فتبتسم الفتاة كما لو أنه قال لها أحبك، تقول الحلقة بوضوح أن لكل فنان جمهور على شاكلته وأن كل منهما يستحق الآخر.

كاتبة من مصر

7AKH

«قصص من النرويج»: من الرؤوس النووية إلى جاستن بيبر
في مسلسل غنائي وثائقي للثنائي «إلفيس»
مروة متولي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية