■ ماذا عن اهتمامك بالعالم العربي والإسلامي، خاصة الأدب العربي؟
□ عشت في القاهرة شهورا قليلة، لكنني دائما أقول بأن الهواء الأول الذي يستنشقه المرء يساهم في تكوينه ويمنحه الحماس لكي يستمر. سنوات بعد ذلك عدت إلى القاهرة كمستعربة لإعداد رسالة دكتوراه، بالإضافة إلى ذلك فإن أبويّ عاشا في القاهرة لمدة ثماني سنوات، ومنزلنا في مدريد كان ومازال دائما يحتوي على أشياء عربية، خصوصا الكتب، وكان قبلة لأصدقاء وأساتذة وكتاب عرب. ولهذا كنت دائمة الاتصال بالعالم العربي وكانت جدتي ايزابيل (من جهة الأم) عاشقة للآداب، خصوصا الشعر وهي من شجعتني على ولوج هذا العالم بفضل قصائد الشاعر الإسباني غوستافو أدولفو بيكر، كما سردت ذلك في أطروحة الدكتوراه التي قمت بإعدادها حول الشاعر أمل دنقل. قضيت طفولتي في قراءة الشعر وخلال مرحلة المراهقة أصبحت مولعة بقراءة كل ما أجده في البيت، وكان لنجيب محفوظ الحظ الأوفر، حيث كنت أقرأ له في البداية بالإسبانية باعتبار أنني لم أكن أتقن اللغة العربية آنذاك، وخصوصا رواياته عن القاهرة التي هي بالنسبة لي مدينة بعيدة، وفي الوقت نفسه جد قريبة إلى قلبي، استهوتني كثيرا أعمال محفوظ ودفعتني إلى التأمل في الكائن البشري: أحاسيسه وأعماله، وكل هذا دفعني أكثر للاهتمام بكل شيء له علاقة بالعرب مستعملة العقل في ذلك أو بعضا منه. فبعدما انهيت دراسة الأدب العربي في جامعة مدريد المستقلة، تابعت دراستي وأصبحت مسكونة بالعالم العربي وآدابه، كنت أعشق توفيق الحكيم أيضا (أصبحت الآن أقرأ له باللغة العربية) وصلاح عبد الصبور وغيرهما، بدون أن أنسى الآثار التي كانت تتركها في نفسي الآيات القرآنية، خصوصا تلك التي لها علاقة بالإنسان والطبيعة كسورة الشمس وسورة الليل، فضلا عن سور أخرى تتحدث عن مفهوم الزمن.
■ ومَن هم الكتاب العرب الأكثر تأثيراً بالنسبة لك؟
□ في ما يتعلق بالنثر أعتقد أنه على النقاد مراجعة أعمال يحيى الطاهر عبد الله والاعتراف به وبمساهماته في السرد العربي، خاصة في ما يتعلق بالقصة القصيرة، ونجد عند لورينثو كاسيني وهو أستاذ في جامعة مسينا في إيطاليا دراسة في الموضوع، وصراحة أنا أومن بالثلاثي دنقل، الطاهر عبد الله، والأبنودي. وبعد ذلك تعرفت على رواد كبار أمثال: الطاهر وطار زكريا تامر فضلا عن جمال الغيطاني، ولكن أعترف صراحة بأنني دائما أعود لتوفيق الحكيم والسور القرآنية.
■ وكيف راودتك فكرة ترجمة الشعر لكبار الشعراء العرب المعاصرين؟
□ بعدما أنهيت دراستي وانتقلت للقاهرة من جديد بفضل منحة دراسية لإعداد رسالة الدكتوراه حول الشاعر صلاح عبد الصبور، تلقيت دعوة لحضور مهرجان المربد الشعري في بغداد، وكانت بالنسبة لي فرصة للتعرف على بعض الكتاب العرب، وكنت جد محظوظة بأن التقيت مع كبار الشعراء والكتاب والمسرحيين والنقاد، واستمر اهتمامي بالشعر لأنخرط في ترجمة كل ما أحصل عليه، خصوصا قصائد محمود درويش وأدونيس، هذا بالإضافة أنه سبق أن ترجمت لأمل دنقل وصلاح عبد الصبور بحكم أنهما كانا موضوع رسالتي للدكتوراه.
■ ماهي الصعوبات التي واجهتك خلال ترجمتك للشعر العربي المعاصر؟
□ لقد واجهت صعوبات جمة ومختلفة، لكن ربما كل هذه الصعوبات تلاشت أو تبخرت وذلك بفضل التجربة، أترجم لأنني أحب الترجمة ولأنها تمنحني الحياة وهي تجربة جد حيوية. ودائما أقول بأن الترجمة، خصوصا ترجمة الشعر هي كمن يجسد شخصية مسرحية، حيث يتقمص الممثل شخصية الرجل الذي يمثله ويتأقلم مع كل ما يريده المؤلف لشخصيات مسرحيته، فالأمر نفسه يحدث معي حينما أقوم بترجمة أعمال درويش وأدونيس والبياتي وعبد الصبور ودنقل وقباني. فالقصيدة تتجسد كما هو الأمر في قصيدة «الأميرة والغجري» فالقصيدة تسيطر على جسمك وبعد ذلك تخرج مترجمة، إنها تجربة قيمة. فالمترجم يتغير ويتطور وينمو مع الترجمة ويكتشف طرقا جديدة في داخله وعقله وحتى في جسده.
■ وهل تساهم الترجمة في التقارب والتفاهم بين العالم العربي وإسبانيا؟
□ بطبيعة الحال، فأي ترجمة في البداية تساهم في التفاهم بين الناس وبالتالي بين العالمين، وللإشارة لابد من التمييز بين الترجمة التقنية: القضائية والعلمية والاقتصادية، والترجمة الأدبية، ولكن كلها تساهم في نشر ثقافة التفاهم في عالمنا المعاصر. وعن التفاهم بين العالم العربي وإسبانيا، أقول بأن العالم العربي المفتت سياسيا يعد ملزما بأسرع وقت ممكن لإيجاد صيغ للتفاهم مع نفسه.
■ كيف تقيمين الاستعراب الإسباني وتطوره؟
□ الحديث عن ذلك يحتاج إلى وقت طويل، من بين الأمور التي علمنا إياها رائد الاستعراب في إسبانيا بيدرو مارتينيث مونتابيث، هو التقرب أكثر إلى واقع العالم العربي والتعرف على الحياة اليومية، مثل كيف يعبرون بلغتهم وطرقهم وكيفية الحوار معهم وما هي احتياجاتهم وكذا الاستماع إليهم والتحاور معهم، وبفضل هذا الاستعراب يمكن الحديث عن نزعة أو مسار أو طرق. فأنا شخصيا اخترت وما زلت التعايش مع الاستعراب الواقعي أي مع الشعوب التي لها لغة واحدة، رغم اختلاف التعابير اللغوية. كذلك الأمر يتعلق بموضوع الأندلس حيث اللقاء يتجدد معها هذه الأيام بفضل الموضوع الموريسكي، إذ نجد مؤخرا صدور مجموعة من الروايات العربية تتناول هذا الجانب.
■ ماذا تمثل لك الأندلس؟
□ مؤخرا تخصصت في موضوع الأندلس لأنني كنت واعية بأهمية هذا الموضوع في عالمنا المعاصر، لقد كانت الأندلس ومازالت وستستمر لغزا وبالموازاة مع ذلك فهي واقع متعدد ومتغير ومتشكل. أعتقد أن العالم العربي تخلى عن الأندلس كفكرة الجنة المفقودة، كما يقول حسين مؤنس الذي نشر سنة 1964 كتابه «رحلة إلى الأندلس» وهو نفسه ترجم هذا الكتاب إلى الإسبانية ووسمه «رحلة إلى إسبانيا» وصدرت بعد هذه الرواية الرائدة عدة أعمال لكتاب ومفكرين عرب حول الأندلس ويمكن أن نشير أيضا إلى أعمال صلاح عبد الصبور حول الشاعر الإسباني لوركا. هناك كذلك الشاعر السوري المنفي في المكسيك محمد علي الدين عبد المولى وديوانه «بالذي هو أخضر» وأشير كذلك إلى رواية «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور.
مدريد ـ حوار عبد الخالق النجمي : تعتبر روسا إيزابيل مارتينيث ليو إحدى أهم المترجمات الإسبانيات المعاصرات عن اللغة العربية، عملت أستاذة في جامعة مدريد المستقلة في قسم الدراسات العربية والإسلامية، ونشرت العديد من الكتب والمقالات حول الترجمة والأدب العربي، وتعمل حاليا في جامعة مالقا. في هذا الحوار تسلط إيزابيل الضوء على العديد من القضايا المرتبطة بالأدب والترجمة وانشغالات البحث والحياة.