نجوى قندقجي: الدعم الأوروبي يتراجع ولا شروط لأنها تنفي الحقوق

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: ينطوي مصطلح «حقوق الإنسان» في مرحلتنا الحاضرة على كم من الاستفزاز لمشاعر المواطنين العرب الذين يدركون تماماً كم هو مطاط، وكم تنخفض معاييره عندما يتعلق بأهلنا وناسنا. منذ ثلاث سنوات ينعقد في بيروت «كرامة بيروت» مهرجان أفلام حقوق الإنسان الذي يعرض عشرات الأفلام الوثائقية من مختلف أنحاء العالم. نحن الحذرون من رعاية الغرب لفننا وخاصة السينما، نسأل عن المعيار العالمي الموحد لحقوق الإنسان في تلك الرعاية الغربية، وإلى متى سيبقى الجلاد والضحية سواسية في نظر حكوماتهم؟ هذا إن لم تكن الضحية هي المسؤولة عن أفعال الجلاد.
نجوى قندقجي فنانة أردنية تتولى مهمة مديرة «كرامة بيروت» توافقنا الرأي على انعدام المساواة في تلك المعايير. وفي الوقت عينه تتحسر لأننا كعرب لم نقم حتى الآن بإنتاج فني يهز العالم عن مأساة شعب فلسطين.
عن هذا المهرجان وأمور أخرى كان معها هذا الحوار:
○ مديرة البرامج لكرامة بيروت ـ مهرجان أفلام حقوق الإنسان ماذا يمثل بالنسبة لك هذا النشاط السنوي المتواصل منذ ثلاث سنوات؟
• يمدني بالدعم المعنوي الكبير، فهو طريقة تعبير غير مباشرة ومختلفة هي السينما والفن. في السينما التي نقدمها كلام إنساني وبطريقة جديدة. كفنانة أعتبر عملي هذا مساهمة في نشر الفن، ومن خلال نوع آخر من الإنتاج.
○ وماذا عن جديدك الفني كممثلة ومخرجة أردنية؟
• آخر حضور لي في الدراما كان قبل سنتين في عمل سوري، وفي لبنان حضرت مسرحياً مع المخرجة عليّة الخالدي في عرض «عنْبرة» الذي استعادت فيها سيرة رائدة لجدتها عنبرة سلام. عملي الحالي أكاديمي ويتناول مواد التمثيل، المسرح وفنون الأداء.
○ هل حفّزك المهرجان لدخول ميدان السينما كمخرجة؟
• لا شك. لم يعد الأمر صعباً. يمكن تقديم مادة سينمائية بإمكانات متواضعة. الفكرة قائمة إنما ليست قريبة.
○ كيف ولد مهرجان سينما حقوق الإنسان ولماذا حمل هذا التعريف؟
• «كرامة عمّان» أطلق مهرجان سينما حقوق الإنسان قبل عشر سنوات. كان تواصل مع هيثم شمص وانطلق في بيروت مهرجان نظير لعمّان. وبالتوازي تأسست شبكة «أنهار» وتضم مهرجانات حقوق الإنسان ومن أعضائها لبنان، فلسطين، مصر، الأردن، المغرب، تونس، السودان ونأمل انضمام اليمن قريباً. عبر شبكة أنهار نتبادل الأفلام والأفكار والتجارب، والهدف تعزيز منصات عربية لعرض أفلام حقوق الإنسان.
○ ولماذا كرامة؟
• هي تسمية غير تقليدية. وفي الواقع الحصول على الحقوق هو ما يحقق الكرامة. هي كرامة الطفل، المرأة، العائلة والإنسان بشكل عام. وكل ما يخل بحقوق الإنسان يؤذي كرامته.
○ تقدمون خلال المهرجان عشرات الأفلام بين قصير وطويل ما هو معيار الاختيار؟
• نحن ثلاثة أفراد مخولين بالاختيار. في الواقع نشاهد كماً كبيراً جداً من الأفلام نتوزعها فيما بيننا. عندما يجد أحدنا أنه حيال فيلم اشكالي نشاهده معاً ونتناقش. في المعيار ننظر للعلاقة بين مضمون إنساني، جدي، حقيقي وله صلة بحقوق الإنسان، شرط أن يكون سينما جيدة. وضمن المهرجان نختار تجارب شبابية بهدف التشجيع. وثمة شباب لديهم لغة بصرية واعدة جداً. هؤلاء الشباب يبحثون عن فرصة للعرض ويرغبون في تلقي ردة فعل الآخرين وأسئلتهم. كما أن مشاركتهم في مهرجان قد تتيح لهم صلات إنتاج مستقبلية.
○ هل من معيار عالمي موحد لحقوق الإنسان؟ وكيف نجد تطبيقه الميداني؟
• نبحث عن الفيلم الذي يتناول البشر من وجهة نظر حقوقية. وأن لا يتضمن تحريضاً، ولا إساءة لإثنية معينة. هذا بالنسبة لنا، إنما على الصعيد العالمي فلا وجود لمعايير موحدة لحقوق الإنسان.
○ ما هي شروط الدول الداعمة ماديا للمهرجان؟
• في الواقع لا شروط. إنها حقوق الإنسان وليس لها قدرة احتمال الشروط لأنها تنفيها. الدعم إلى تراجع وهو في غالبيته أوروبي. بعض الدعم تناقص إلى ربعه. وانسحبت بعض الأطراف من قائمة الداعمين منها مكتب شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة. لكن الجميع حريص على نجاح المهرجان الذي نقيمه. الدعم لهذا العام متساوي بين سفارات سويسرا، تشيكيا وهولندا. وكذلك كان تعاون مع مكتب الإعلام للأمم المتحدة في بيروت.
○ في رأيك هل تنتهي معاناة الشباب الفلسطيني إن تيسرت متطلبات «نادي غزة لركوب الأمواج» وهو عنوان فيلم الإفتتاح؟
• شكل الفيلم رمزاً لما تعانيه غزّة. فسكان القطاع محرومون من كل شيء في الحياة. فقط يُسمح لهم تناول الطعام بالحد الأدنى، ومن ثم تأمُل البحر فقط لا غير. لوح التزحلق رمز لغياب كافة المتطلبات الأساسية لحياة الإنسان. لحظ الفيلم الحصار ومفاعيله إلى جانب التزمت. بقي للناس البحر، إنما بحدود ليس للصيادين تخطيها. كل من لديه إحساس إنساني يعرف أن غزّة من أصعب مناطق العيش في العالم.
○ لماذا تجاهل الفيلم السبب الأساسي لمآسي الفلسطينيين وهو الاحتلال وصارت حماس هي عدو حقوق الإنسان الوحيد في غزة؟
• الإشارات لمفاعيل الاحتلال كانت موجودة دون النطق بها. وجدت في حدود المسموح من البحر، وفي الدمار المحيط في كل مكان نتيجة قصف الطيران. في الواقع ليس للفيلم أن يقدم إجابات بل يدفع المتلقي للتساؤل. وفي كل الأحوال للمخرج حق اختيار المساحة التي ينقلها فيلمه. قدم مشاعر الناس، وكيفية عيشهم. دخل إلى علاقاتهم الاجتماعية. لم يقارب مخرجا الفيلم السلطة الحاكمة في غزّة إلاّ من بعيد. إنما ضغط الحريات ليس بالأمر السهل على البشر.
○ هل كان منطقياً أن يفتح مهرجان أفلام حقوق الإنسان بفيلم يضع اسم إسرائيل على الخريطة بدل فلسطين وهي مصدر انتهاكات حقوق الإنسان منذ وجدت؟
• هذا ما قيل لميكي يمين «أحد مخرجي الفيلم» الذي حضر الافتتاح. هذا ما نؤمن به كعرب بخلاف غيرنا في العالم، وليس لنا قدرة فرض موقفنا.
○ هل زار المخرج ميكي يمين غزة لتصوير فيلمه؟
• مكث في غزة لأشهر طويلة مع شريكه في الإخراج فيليب جنات، عايشا الناس، وعاشا معهم أيامهم الصعبة في ظل الحصار.
○ جوليا باشا لم تعرفها نساء فلسطين وأخرجت فيلم نائلة والانتفاضة؟
• هذا صحيح. فمشروع هذا الفيلم امتد لخمس سنوات حسب إرادة المنتجين وهم Just Vision. خلال هذه السنوات جرت عشرات المقابلات، وفي النهاية كان للمخرجة جوليا باشا وهي برازيلية من جذور لبنانية أن تختار نائلة عايش بطلة للفيلم.
○ أعرف أن لك ملاحظات على فيلم نائلة والانتفاضة؟
• صحيح، وهي عدم إحساسي بالإنفعال حيال الفيلم. ناقشت هذا مع نائلة عايش وزوجها جمال زقوت، وكان الرد أن الفيلم توثيقي لمرحلة مرّت، ولتجربة النساء خلالها، وتقديم المعلومات لا يحتاج لأكثر مما ظهر على الشاشة. لقد أقنعني الرد.
○ تحدثتم في هذا المهرجان عن السعي لـ»هويات جديدة». لماذا؟ وما هي تلك الهويات؟
• في دورتنا الأولى في بيروت تحدثنا عن الآخرين. وهذا ما حفّزه مسار الهجرة نحو أوروبا من الدول العربية ومن كافة آسيا وافريقيا. عندها توجه الإهتمام إلى فكرة الأقليات والغرباء عن مجتمعاتهم أي اللاجئين. السؤال هو عن هؤلاء فهل هم متمسكون بهويتهم؟ أم هم في بحث عن هويات جديدة؟ وكيف تستقبلهم المجتمعات الجديدة وهل ترى فيهم تأثيراً على هوياتها؟ ومن هذا المنطلق كانت ورشات عمل تحت تلك المسميات في ثلاث جامعات، وكذلك في ثلاثة مخيمات للجوء في أماكن مختلفة من لبنان.
○ درست الإخراج والتمثيل وكنت نشطة في مجالك. ما الذي أسعدك وما الذي خذلك في الفن؟
○ أشعر بأنني محظوظة ولم أندم مطلقاً على اختياري المهني والدراسي. المؤلم الآن وفي المستقبل أن مقياس الفن الحقيقي في بلادنا في حال ضياع. الوعي نحو الفن الجيد غير موجود في حين تسود الرداءة. نحن في محاولة نضال في أمور بدائية على صعيد الفن. الفجوة كبيرة بين المنتج الإبداعي الحقيقي وبين ما يصل للناس. وكأن الفن المطلوب وصوله للناس عليه التمتع بصفة السطحي والفارغ. مؤخراً شاهدت فيلماً أنتج بامكانات متواضعة ترجمة عنوان للعربية «ولد شالح البيجاما» موضوعه المحرقة اليهودية. خلال متابعتي للفيلم كنت أسأل نفسي لماذا حتى الآن ونحن نعيش مأساة فلسطين ولم نتمكن من إنتاج فيلم يهز الكون كما هذا الفيلم السابق الذكر؟ لماذا لا نقدم منتجاً فنياً تقشعر له أبدان الآخرين كما تمكن مخرج فيلم «ولد شالح البيجاما» من أن يفعل بي؟ وذلك طبعاً بغض النظر عن المحرقة ومدى ابتزاز العالم بها. الصناعة الفنية القوية تهز الكيان. أنا في حسرة لأننا لا نقوم بذلك.

نجوى قندقجي: الدعم الأوروبي يتراجع ولا شروط لأنها تنفي الحقوق
البحث عن أفلام تتناول البشر من وجهة حقوقية والمضمون الجيد
زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية