على مدى نصف قرن كان هناك حضور واضح للتيارات الإسلامية في اغلب بلدان العالم الإسلامي.امتد هذا الحضور إلى كافة الساحات: السياسية، الاجتماعية، النقابية وحتى الرياضية. وكان شاملا، وعميقا، بخطاب لم يخل من الواقعية والتمدن، فكان من الطبيعي ان تحتضنه قطاعات واسعة من الجماهير العربية والإسلامية. فما سبب ذلك؟
البعض يعزو صعود التيار الإسلامي إلى تراجع ما سواه من المشاريع بعد الانتكاسات السياسية والحضارية التي شهدتها الامة خلال العصر الاستعماري، وبلغت ذروتها باحتلال فلسطين، وكانت نكسة حزيران وسيلة التنبيه الاخيرة التي ايقظت الجسد النائم من سباته، حتى قال بعضهم: لقد خرج المارد من القمقم. شهد هذا الحضور حالات قوة وضعف، ولكنه فرض نفسه ليس على الساحات المحلية والاقليمية فحسب بل حتى في البلدان غير الإسلامية. وانها لحالات نادرة ان يمتلك ذوو المشروع شجاعة تدفعهم لطرح مشروعهم على القوى الكبرى. فمشهد الوفد الإيراني الذي بعثه آية الله الخميني في مطلع العام 1989 جالسا امام الرئيس السوفياتي آنذاك، ميخائيل غورباتشوف، لن يتكرر كثيرا. فقد حمل الوفد دعوة لقراءة الإسلام ونظامه، وتنبؤا تحقق بعد حين بسقوط المنظومة الشيوعية. هذا الحدث لن يتكرر في المستقبل المنظور لاسباب من بينها ما يعانيه حملة المشروع من ضعف وتراجع. هذا الحضور الإسلامي تراجع كثيرا في السنوات الاخيرة. وربما كان الربيع العربي المحطة الاخيرة في ذلك الصعود، فما اسباب ذلك؟ وما مستقبل الحراك الإسلامي؟ وما مواقع الضعف في تلك المسيرة الطويلة؟ والى اين تتجه اوضاع الامة في ظل تغول المشروع الغربي وتغير موازين القوى في العالم الإسلامي؟
المحطة الاخرى حدثت متزامنة مع ذلك، وتمثلت بحدثين مهمين: انسحاب القوات السوفياتية من افغانستان، وتصدع الاتحاد السوفياتي، الامر الذي ادى إلى عالم أحادي القطبية، وفر للمشروع الإسلامي فرصة اخرى للتحول إلى مشروع سياسي اممي في عالم يبحث عن بدائل للنظام السياسي العالمي الذي هيمن على العالم بعد الحرب العالمية الثانية. فـ «الانتصار» المزعوم على المشروع الشيوعي دفع الغربيين لاعلان انتصار تاريخي ساحق على المنافس الاكبر لنفوذهم الدولي. في البداية اعلنوا تشبثهم بمشروعهم «الديمقراطي» وتحدث بعضهم عن ضرورة ترويجه، مشفوعا بالدفاع عن حقوق الانسان كمنظومة ضرورية رديفة للمشروع السياسي. ولكن ما حدث لاحقا اضطرهم لاجراء تعديل جوهري لاولوياتهم. فقد كان من تبعات الحرب الافغانية بروز تنظيم «القاعدة» الذي تزعمه اسامة بن لادن، وحدوث واحد من اكبر انتصارات اصحاب المشروع السياسي الإسلامي منذ الثورة في إيران. ففي العام 1992 خاض الإسلاميون (ممثلين اساسا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تزعمها الشيخ عباسي مدني وعلي بلحاج) الانتخابات البرلمانية الجزائرية وحققوا فوزا ساحقا فاق التوقعات.
كان ذلك الحدث ناقوس انذار عاليا دفع اصحاب المشروع الغربي لاستيعاب واحد من اهم التبعات الحقيقية لسقوط الاتحاد السوفياتي. فقد تبلور نمطان يمثلان تحديا «إسلاميا» للمشروع الغربي، احدهما يتبنى العنف غير المحدود، والآخر قادر على الوصول إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع. وكلا الامرين من وجهة نظر الغربيين، يمثل تحديا لهم وتهديدا لمصالحهم. ومنذ ذلك الوقت تغيرت اولويات الغرب في علاقاته مع العالمين العربي والإسلامي.
ويمكن اعتبار ربع القرن اللاحق مرحلة فحص البديل الإسلامي من جهة والتصدي العملي له من جهة اخرى. وبعيدا عن تفصيلات ما حدث من تطورات، فقد بدأ المشروع الإسلامي يتآكل من داخله، اما لأسباب بنيوية او خطط خارجية استهدفت وجوده بشكل منهجي هادئ. ولتوضيح ذلك يمكن ايراد التطورات التالية:
اولا: ان فوز الجبهة الإسلامية للانقاذ في الانتخابات الجزائرية في 1992 دفع الغربيين لدعم الانقلاب العسكري على المشروع الديمقراطي، الذي كان يومها واعدا بان يكون بداية مشروع ديمقراطي عربي. وقد ساهم في صعود نجم الجبهة الإسلامية للانقاذ الحالة الشعبوية التي هيمنت على المنطقة بعد القرار السعودي باستدعاء القوات الاجنبية لاخراج القوات العراقية من الكويت بعد اجتياحها في 2 آب/اغسطس 1990. ويمكن القول ان تلك الحالة كانت الاخيرة من نوعها، فقد خرجت الجماهير العربية في عواصم البلدان الكبيرة ذات الشأن محتجة ضد استقدام القوات الاجنبية، وكانت تعتبر الولايات المتحدة عدوا وترفض كل ما يتصل بها.
كانت تلك الاحتجاجات التجسيد الاخير لشعبية الإسلام السياسي الذي كان ما يزال في تصاعد. واكدت الاحتجاجات الواسعة امورا عديدة من بينها: ان السعودية معزولة سياسيا واجتماعيا، وان الضمير العربي لا يقبل بالتقارب مع أمريكا او يتحالف معها لضرب اية دولة عربية او إسلامية، وان الوعي الجماهيري كان يفوق وعي الطبقات الاخرى كالعلماء والسياسيين. وقد كان انقلاب الجيش الجزائري على السلطة المنتخبة تدشينا لحقبة سوداء في تاريخ بلد المليون شهيد، تميزت بالعنف واسست لظهور المجموعات المسلحة المتطرفة التي انتشرت لاحقا في ليبيا وسوريا والعراق والصومال. وعلى مدى العقد اللاحق بلغ عدد قتلى عنف المجموعات المسلحة واجهزة الامن 200 الف من الجزائريين. وأكدت التجربة الجزائرية فشل الغربيين في الالتزام بمبادئهم او الوفاء للمشروع «الديمقراطي» الذي حاربوا به الاتحاد السوفياتي.
ثانيا: شهد العقد التالي تطورات خطيرة في العالمين العربي والإسلامي تميزت بصعود تيارات التطرف والإرهاب والطائفية، بموازاة انفتاح الشهية السعودية على سياسة التوسع وبسط النفوذ والهيمنة، والسعي لقيادة العالمين العربي والإسلامي. ويمكن القول ان الاعتداء السعودي على مركز الخفوس القطري في 1992 كان بداية عهد من التوتر في منطقة الخليج لعبت السعودية فيه دورا مباشرا.
وبموازاة سياسة التوسع لم تجد الرياض غضاضة من التحالف مع مجموعمات التطرف والعنف. وكان لذلك اثره المدمر على المنطقة طوال ربع القرن اللاحق. واعتقدت السعودية انها ستعتمد على المواقف الشعبية في العديد من المناطق العربية والإسلامية باعادة هندسة الوعي الجماهيري بعيدا عن التغيير السياسي اوالتحرر من الهيمنة الغربية والاحتلال الاسرائيلي.
ثالثا: ان اصحاب المشروع الإسلامي السياسي اكتفوا آنذاك بالمراقبة السلبية بعد عقود من تعرضهم للاضطهاد في شتى البلدان العربية. وبذلك حدث فراغ كبير وفر للمجموعات المتطرفة فرصة لملئه، وشيئا فشيئا اصبحت هذه المجموعات تقود «مشروعا إسلاميا» جديدا يختلف في اساليبه وجوانبه الجوهرية عما لدى حركات الإسلام السياسي. حدث ذلك في افغانستان بصعود مجموعة طالبان إلى الحكم في العام 1992.
رابعا: ان ثورات الربيع العربي فاجأت الإسلاميين جميعا، فاستقبلوها بدون استعداد سياسي او تنظيمي او على صعيد الخطاب والاهداف. ونظرا لعمقهم التاريخي كاد اغلبهم يصل إلى الحكم كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن. وقد ارعب ذلك قوى الثورة المضادة التي استطاعت امتصاص «الضرب الاولى» من المشروع الثوري وما لبثت ان عادت لتوجه صفعات موجعة لأصحاب المشروع الإسلامي. وقد ارتكب اولئك اخطاء متباينة ادت للنيل من مصداقيتهم وتراجع شعبيتهم. ففي العراق ارتبط اسمهم بالفساد المالي والاداري وتراجعت شعبيتهم حتى ادت لخروج تظاهرات واسعة ضدهم في الاسابيع الاخيرة. وفي مصر شوهت سمعتهم بسبب استعجالهم في استلام السلطة وتوجههم لاسترضاء قوى الثورة المضادة وترددهم في الالتزام بسياسات واضحة خصوصا ازاء فلسطين. ويمكن اعتبار رسالة الرئيس المعتقل، الدكتور محمد مرسي، إلى شمعون بيريز واحدة من الأخطاء الكبيرة. ولا شك ان السعي لاسترضاء قوى الثورة المضادة بمن فيهم العسكر، اضعف مصداقية الحكام الجدد. ويصارع إسلاميو تونس للبقاء في الحكم بتقديم المزيد من التنازلات التي يعتبرها البعض مبدئية، لاسترضاء النظام الحاكم الجديد ـ القديم. نصف ثورة هو ما حدث في تونس، بعد ان اقتصر التغيير على ابعاد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، مع الابقاء على نظامه. وربما الخطأ الاكبر الذي ارتكبه الإسلاميون واستخدمت مادته ضدهم يتمثل بمسايرة رموز الإسلاميين، بعلم او بدونه، المشروع المذهبي الذي استخدم اولا لضرب بعضهم ببعض ثم تخلى عنه مروجوه بعد ان استنفد اغراضه وأضعف شوكتهم بالفرقة والاختلاف. كان على الإسلاميين ان يتجنبوا مسايرة ذلك الخطاب الشعبوي الذي كان مصيدة لهم، وان يتمسكوا بخطابهم التاريخي المعتدل الذي يعتبر اقوى اسلحتهم.
خامسا: ومن اخطاء الإسلاميين تغليبهم السياسة على الدعوة. فالحركات الإسلامية دعوية في جوهرها، وليست السياسة الا جانبا من الدعوة، وليست هدفا منفصلا. ويمكن القول ان تجارب الإسلاميين العرب خلال العقد الاخير اظهرت خللا بنيويا في كيانات الحركات الإسلامية، واكدت تغلب السياسة على الدين ليس في ثقافتهم فحسب، بل في ممارساتهم العملية وعلاقاتهم مع الجماهير.
فشعار «حاكمية الإسلام» تراجع كثيرا، ولم تتبلور له مصاديق سواء على السلوك الشخصي للافراد ام السياسات العامة للتيارات الإسلامية التي حكمت او شاركت في حكم بلدانها، ام على صعيد التجسيد الروحي لنقاء دعوة الإسلام. فقد كان التحول من الدعوة إلى السياسة كاملا وشاملا ونهائيا، فليس هناك مجال لاي من التنظيمات الإسلامية الكبرى في مصر او العراق او سوريا او غيرها لممارسة العمل الدعوي مجددا بعد ان امتهن كوادرها السياسية ضمن اطرها العلمانية الغربية، وليس وفق مقاصد الشريعة الإسلامية.
٭ كاتب بحريني
د. سعيد الشهابي
الاسلاميون لعبوا دورا هداما في الثورة السورية وقدموا للنظام ذريعة لمحاربة ” الإرهاب” في الوقت الذي يزج فيه مئات الالاف من الشباب العلماني الناشد للديمقراطية والحرية بعيدا عن اي خطاب ديني وهكذا فعلوا في دول الربيع العربي الاخرى لقد ركبوا موجة الثورة وخانوها فيما بعد ..
السلام عليكم..نشكر الأستاذ على موضوعه الذي يؤخذ منه و يرد..كان معه حق حينما تحدث عن النظام العالمي الغربي بعد سقوط الإتحاد السوفيتي و محاولته فرض نمط حياته على العالم، لكن نعترض على قوله أن مشروع الإسلاميين في الجزائر كان واعدا و هذا للأسباب التالية بما أننا من الشاهدين على هذه المرحلة في وطننا الجزائر:1) ـ إن من يتخذ الحيل والخداع لجلب أكثر عدد من المغفلين و السذج و أصحاب النوايا الطيبة، لمغالطة الجماهير أثناء خطبه و حملاته الإنتخابية لا خير يرجى منه ،و مهما تكلم عن الإسلام و العدل و تطبيق القوانين مستعملا وسائل لجذب أغلبية الشعب و تهييج العواطف الدينيه لديه(الشعب) مثال:كتابة لا إلاه إلا الله بآلات تكنولوجية تعمل بالليزر في سماء الأماكن التي يتجمهر فيها مؤيدوه و ما أكثرهم من فئات الشعب المغلوب على أمره و إنبهاره بهذه المعجزات!! و نحن متيقننون مما نقول و الله على ما نقول شهيد.. يتبع
.تتمة التعليق..2)ـ من يتقدم بمشروع إسلامي يجب أن يقنع بالحجة و البرهان و ليس بالكلام الفارغ و ترديد الجماهير من وراءه (عليها و عليها نموت) و محاطا بسياج بشري لهم لحي كثيفة و ثياب قصيرة يتطاير من عيونهم نوبات غضب و شدة،لو إقترب حليما لولى مدبرا من الفزع!!3)ـ إن من يريد أن يؤسس لدولة القوانين و العدل لا يهدد خصومه بأنه إذا مافاز بالسلطة فإنه سيرمي بهم في أتون جهنم الدنيا قبل الآخرة!.. ضاربين بعرض الحائط كلام من يتكلمون بإسمه : (” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)”) ..4) إرغام معارضيهم على إتباع منهجهم بالإكراه و قد سمعت زملاء لي في العمل هددوا بالقتل إن لم ينتهوا من تناول السجائر و لولا فضل الله لكانوا من المقتولين..5) عداءهم الشديد للعلمانيين و خوف هؤلاء على إمتيازاتهم و على حياتهم من شرهم فتحالفوا مع العسكر ووقع ما وقع..يا أستاذ أنا جزائري و أنا أعرف ما أقول إن الداعشية كانت موجودة في فكر هؤلاء و أمثالهم (طالبان،القاعدة،الإخوان(الهجرة و التكفير و ما نعيشه اليوم هو إمتداد لهذا الفكر المتطرف) ،فلا نلوم الغرب بل يجب أن نلوم أنفسنا لأن الغرب الماكر وجد أمة مدعشنه فاستغل الظروف فقطف ثمارا كثيرة و لم يترك لنا إلا الأشواك المسمومة نغرسها في بعضنا البعض..يجب على علماء المسلمين أن يبحثوا عن سبب داءهم و يدعو الله أن يبرءهم من هذا المرض العضال و يسألوا الله عسى أنه قد بعث لهم من يصف لهم الدواء و لكنهم غافلون عن النبإ العظيم..و السلام على من إتبع الهدى..