لا يمكن شراء تلك الرواية البائسة التي تقول إن الأردني يؤجل عقله وفكره ويتبنى ببساطة تسريبات او معلومات او سلسلة أكاذيب هنا وهناك يبتكرها مرة عاطل عن العمل أو مشاغب غاضب او متقاعد يرى نفسه ضرورة وطنية أو أهم بكثير من المدير الذي احاله على التقاعد.
المواطن الأردني أذكى بكثير من أن يتأثر وبسرعة البرق بالأكاذيب التي استهدفت البلاد والعباد كما طالت الدولة والناس.
تغيب تدريجيا تلك القيم التي تربى عليها الأردنيون باعتبارهم بين أكثر العرب تمكسا بتقاليد الأخلاق وأدب الحوار وقواعد الانصاف.
تغيب لصالح حالة «سعار إلكتروني» تسقط فيها كل الأعراف وأخلاقيات الكلام والنقاش عند الخصومة أو عند التعاكس في الرأي والإتجاه.
النبش الإلكتروني بكل ما هو سلبي أو معتل أو منحرف أصبح ظاهرة تخدم رموز النظرية العرفية في الحكم والإدارة المنادين بقمع حريات التعبير وضبطها وفرض القيود عليها.
عدم التمييز بين الغث والسمين..بين الحقيقي والممكن والكاذب وصل على وسائط التواصل الاجتماعي الأردنية إلى حضيض لم نعهده سابقا وبصورة اصبحت فيها سمعة الجميع وهيبتهم هدفا للابتذال الإلكتروني الذي تمارسه فئتان في الواقع الاولى بإسم المعارضة التي تخترع وتروج شائعات. والثانية بإسم الولاء والموالاة وتقوم بدورها بإسقاط الجزء الابشع من منهجية التقارب مع الدولة مع تكاثر خلايا الذباب السرية التي لا أحد يعرف كيف وعلى أي أساس ولماذا تعمل بكل هذا الإنحدار المهني وعلى طريقة الدب الذي يخنق صاحبه من الحب.
لا أصدق شخصيا ان الأردني وأتحدث عن «المتواصل» حصريا توقف عن التدقيق والتمييز والتمحيص وأنه يستسلم ببساطة لكل الإسفاف الذي نشهده عند التعليق على ملفات أو أشخاص أو آراء او أحداث تحصل في البلد.
وأزعم أن حالة السعار الالكتروني اصبحت كالعدوى التي تهدد كل شيء وسط تقاليد مؤسفة في تصديق كل ما ينشر وبدون عملية غربلة حتى اصبح المجتمع ومعه الدولة مشغولين تماما عن بقية القضايا الاساسية والاستراتيجية بالرد والتعليق والملاحقة لتلك الروايات والحكايات التي ينسجها مختلون إلكترونيا.
ومن المرجح ان من يستثمرون في الشبكة يعلمون ما الذي يجري ويستغلون المسار وسط حالة موت سريري للإعلام الوطني وصمت حكومي مريب وجلوس النخب الكبيرة في مقبرة عدم الكلام حتى باتت الرواية الرديئة هي الأساس ومن الصعب الاستدراك معها وحتى تاهت بوصلة الحقيقة والقيم التي تصاحبها بالعادة.
حالة غريبة يعيشها الأردنيون وهم يسمحون لطبقة من النمامين والشكاكين ومروجي الشائعات باختراق وجدانهم وأفكارهم ونبلهم وفروسيتهم بصيغة غير مسبوقة وأصبحت تشكل خطرا على الأردنيين قبل دولتهم وعلى تجربتهم قبل حكومتهم.
الأمثلة كثيرة وأصبحت مرهقة وسط هذا السعار الذي لا يرعى سقفا خصوصا وان أي شخص وفي أي مكان يستطيع تحويل أي معلومة كاذبة عن أي جهة لقضية رأي عام يلتقطها الشغف الشعبي بحماسة ويبادر إلى ترويجها وتبنيها بدوره في حالة أقرب إلى «تهافت التهافت» لكن بالجزء السلبي طبعا من الصورة.
أحدهم يتسلى من مقهى فيعلن على «فيسبوك» أن مجموعة اشخاص هاجمت قبر الراحل وصفي التل وبالكاد تسارع الشرطة لاحتواء الموقف قبل ان يشحذ بعض المعلقين سكاكينهم للانقضاض على الجميع بعد كذبة ملموسة تطلبت جهدا كبيرا من الدولة والأمن لاحتوائها.
لا ألوم مخترع الكذبة بل اللوم لتلك «المجموعة» التي سرعان ما صدقت شائعة وبدأت بالتصرف على أساسها.
يكتب أحد أساتذة الصحافة الأردنية مقالا حول قضية محددة فيهدر دمه تماما على وسائط التواصل ويتعرض لوصلة «ردح» لا تنتهي لا علاقة لها بمضمون ما نشر وما قاله وينجر من ينتقدون اللغة والمفردات إلى حالة شتائمية مقلقة ومخجلة يتم التعرض فيها للعوائل والمكونات وبطريقة تعكس أبشع ما في المجتمع الأردني.
الأمثلة متعددة أيضا حيث لا خجل ولا وجل في انتقاء حادثة مصورة في الجزائر وربطها بأحد أهم البرلمانيين وحيث بناء قناعات وطنية شاملة بناء على تسريبات رخيصة صدرت عن أحد الأشخاص في كولارادو الأمريكية او غيرها وتداول مهووس لكل ما هو شرير أو قبيح أو غير صحيح.
أنا شخصيا وعائلتي كنا هدفا لسرب موتورين إلكترونيين استرسلوا في التهديد والوعيد واستعمال شتائم وألفاظ نابية واخترعوا عشرات الأكاذيب لأن تقريرا صحافيا نشرته لم يعجبهم أثناء تغطية ما حصل في جلسة برلمانية استفسر فيها أحدهم عن صلاحيات الملكة.
عندما سألت بعض الموتورين عن الجزئية التي لم تعجبهم في التقرير لم يناقشني أحد بدليل أن عدوانية الناشط الالكتروني تظهر تلقائيا وبدون سبب والإنحراف في التعليق يطال اليوم الصغير والكبير وبدون ادلة او قرائن كتلك التي تعتمدها الشعوب المتحضرة.
يكفي أن تختلف سياسيا او فكريا او برأي مع أي شخص من جماعة السعار الإلكتروني حتى يؤلف بك وضدك أفلام وأشرطة فيديو وقصائد وقصصا وحكايات تحتاج لطاقم كامل لنفيها أو التعاطي معها والأخطر أن الشارع يصدق ويبارك ولا يتدخل لصد هذه اللصوصية التي يمكن أن تتحول إلى إجتماع قبلي او إطار وطني أو حفلة دموية شيطانية تمتص سمعة الخصم بدون شرف الخصومة أو حتى المواجهة.
نعم هو سعار إلكتروني مؤسف يخدم كل دعاة قمع حرية التعبير في الأردن.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين
أنا مع ضبط الإعلام الالكتروني شريطة أن يفتح ملفّه كاملا ويتضمن فتح الملف الذي يتمّ بإشراف لجنة محايدة ونزيهة وموثوقة _ ما يلي:
1. كلّ ما كتبه السحّيجة وأدعياء الولاء من شتائم وإساءات وافتراءات ضدّ غيرهم.
2. كلّ ما كتبه مثيرو الفتن من أدوات صنع الهويات القاتلة التي مزقت المجتمع.
3. الجهات التي كانت ترعى هؤلاء وتوجههم.
4. لا عذر للجهات المسؤولة بالعجز عن معرفة ذلك لأنّ جميع الاتصالات والخطوط موثقة ومالكوها معروفون .
5. محاسبة الإعلام الرسمي على تزييف الحقائق ……….
ما في دخان الا وراه….
احسنت اخي الحبيب تشخيص رائع.