نهاية الاستدراج الأمريكي لإيران

ارتفاع وتيرة التهديد بالحرب ضد إيران من أمريكا وبالعكس، أصبح أمراً مألوفاً ومعتادا، ولكن ما ليس مألوفاً ولا معتاداً في العلاقات الدولية، أن تصدر تصريحات متكررة من الجنرالات الإيرانيين تخاطب الرئيس الأمريكي ترامب بأن لا يوجه خطابه أو تهديداته لرئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني، وإنما توجيه هذه الخطابات والتهديدات، وطلب المفاوضات معهم مباشرة، أي مع جنرالات الحرس الثوري العسكري.
ومن الغريب أيضاً أن لا يصدر من القيادة الإيرانية رفض لهذا المنطق العسكري من الحرس الثوري الايراني، الذي يتجاوز المؤسسة السياسية الإيرانية. وكذلك من الغريب أن لا يصدر رد على هذه التصريحات الإيرانية من قبل الادارة الأمريكية، ولو بحجة أن الرئيس الأمريكي يخاطب نظيره الإيراني، وهو الرئيس حسن روحاني، فليس من العرف السياسي الدبلوماسي أن يدعو رئيس أمريكي جنرالا عسكريا للاجتماع به، وإنما يدعو نظراءه من رؤساء الجمهورية فقط، دبلوماسيا وعسكريا ينبغي أن لا يرد عليه الجنرال قاسم سليماني رئيس فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، مطالباً بأن تكون خطابات ترامب معه هو، ولذلك لا بد أن وراء تلك التصريحات العسكرية الايرانية دلالات داخل إيران أولاً، وأن وراء تصريح الجنرال قاسم سليماني بالذات رسائل يريد إيصالها للإدارة الأمريكية السياسية والعسكرية معاً.
أول هذه الدلائل من داخل إيران، أن قيادة الحرس الثوري تريد أن تقول للشعب الإيراني، إذا ما وقع الجد فإنها سوف تنحي القيادة السياسية عن اتخاذ أي قرار سيادي يمثل الجانب الإيراني، وسيصبح رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف مجرد ناطقين سياسيين باسم الحرس الثوري عند الضرورة فقط، وهذا يكشف حقيقة أن النظام السياسي المدني الحاكم في إيران، مجرد واجهة سياسية شكلية، بحسب شكل الدولة في الأنظمة السياسية المعاصرة، لتشبيه إيران في عهد الملالي بالأنظمة السياسية العالمية من وجود رئاسة جمهورية وحكومة مدنية وانتخابات ووزراء وسفراء، بينما حقيقة النظام السياسي الثوري الايراني هو بيد المرشد الأعلى للثورة، سواء في اتخاذ القرار السياسي أو العسكري، وهو بيد الحرس الثوري كأداة أو حكومة تنفيذية داخل إيران، وأن مسرحية وجود أحزاب سياسية أو قوى سياسية إصلاحية او متشددة هو نوع من التقية السياسية، التي تمارسها دولة الملالي أمام العالم داخل إيران، فكل شخص يأخذ الدور الذي يفضل هو أن يلعبه، إن كان من المتشددين أو من الإصلاحيين، بحسب شخصيته ورغباته وطبيعة عقليته وخلفيته الفكرية والتربوية، وإلا فإنهم سواء في الطائفية والاستبداد.
والرسالة التي يوصلها الحرس الثوري الايراني بخصوص ذلك إلى الشعب الايراني، قبل غيره، هي أنه لن يسمح بابتزاز الادارة الأمريكية للزعامة السياسية للتراجع عن المواقف التي يتمسك بها الحرس الثوري، في الملفات الداخلية والخارجية، وبالأخص التواجد الإيراني في المنطقة خارج حدود إيران، الذي تريد أمريكا وضعه على سلم أولوياتها، في مباحثاتها مع إيران بضغط إسرائيلي وصهيوني، ويبدو أن هذه القضية لم يبحثها جون كيري وزير الخارجية الأمريكية الأسبق مع جواد ظريف أواخر عام 2012، عندما أُعطي الحرس الثوري الايراني، الضوء الأخضر من أمريكا وإسرائيل للانتشار في سوريا بهدف إسقاط الثورة السورية، وإبقاء أسرة الأسد في السلطة، فأمريكا كانت تظن أن هذه المهمة بالنسبة لإيران هي مجرد عمل عسكري مؤقت، ولكن إيران جعلت من تدخلها العسكري في سوريا، ليس خدمة لأمريكا وإسرائيل فقط، وإنما تريد أخذ ثمن ذلك، بتغيير هوية سوريا الطائفية والديمغرافية، والأخطر من ذلك تغيير معادلات التوازن العسكري بينها وبين إسرائيل، لتشمل الأراضي السورية بطريقة مباشرة، وعدم إبقائها في جنوب لبنان فقط، وهذا ما صرح به مرارا جنرالات إيران، بأن حدودهم السياسية والعسكرية أصبحت بمحاذاة أراضي الدولة الاسرائيلية، وعلى حدود البحر الأبيض المتوسط، أي أنهم يريدون الضغط على الدولة الاسرائيلية بأن لا يكون لها عمل عسكري متهور ضد إيران في المستقبل، لأنها ستكون في مرمى النيران الإيرانية من لبنان وسوريا معاً، وهذا ما تحاول إسرائيل تغيير المعادلة فيه الآن، سواء عن طريق مفاوضاتها مع روسيا أو مع أمريكا أو مع بشار الأسد مباشرة، فهناك اتصالات شبه مباشرة بين بشار الأسد والحكومة الاسرائيلية بهذا الخصوص، وقد أعلنت إسرائيل أنها تريد بشار الأسد على حدودها، ولا تريد الميليشيات الإيرانية، وبشار يعلم أنه لا يستطيع خداع الإسرائيليين، والجيش الإسرائيلي قام بتوجيه العديد من الضربات العسكرية الجادة لميليشيات الأسد وميليشيات إيران وحزب الله اللبناني، عندما كانت تخالف شروطها، كرسائل تحذيرية بعدم تجاهل الشروط السابقة.
والرسالة التي يريد الحرس الثوري الإيراني إيصالها إلى ترامب والبنتاغون معاً، هو أن الاتفاقيات السابقة بين إيران وأمريكا كانت كلها بين الحرس الثوري الإيراني ووزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، وليس بين الإدارات السياسية، وإن تمت بالنسبة لإيران وأمريكا ظاهريا بواسطة كيري وظريف، فهذان كانا ممثلين للحرس الثوري الايراني والبنتاغون، وحتى الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015 لم يوقع من السياسيين في البلدين، إلا بعد الموافقة العسكرية من الحرس الثوري الايراني والبنتاغون، فالجنرال قاسم سليماني يُذَّكر البنتاغون بالاتفاق القائم بينهما في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان والخليج وغيرها، فأمريكا لم تحتل أفغانستان عام 2001 قبل التنسيق مع الحرس الثوري الايراني، ولم تحتل العراق 2003 إلا بخطة عسكرية مشتركة مع الحرس الثوري الايراني، وبالأخص تدريب الكتائب العراقية الطائفية على الأراضي الايرانية، قبل إعلان الحرب على العراق، ثم الانتشار الكبير للحرس الثوري الايراني في العراق لتصفية الجيش العراقي للنظام السابق تحت الحماية الأمريكية، وتنفيذ حملة الاغتيالات والاعتقالات لكوادر النظام السابق، فالحرس الثوري الايراني كان على تقارب كبير مع الجيش الأمريكي في عملية احتلال العراق عام 2003، ولا بد أن قاسم سليماني يذكر البنتاغون بذلك إذا كان ترامب لا يعرف ذلك أو يتجاهله.
والرسالة الأخرى المتضمنة في ذلك عندما يتحدث الجنرالات الإيرانيون لإدارة هذه الأزمة، مع الرئيس ترامب، تذكير البنتاغون أن هناك خمسين ألف جندي امريكي في مرمى النيران للحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا ومياه الخليج العربي وغيرها، وهو ما صرح به جنرالات إيران علانية، فهذا التهديد لا يستطيع أن يصرح به روحاني ولا ظريف لأسباب العرف الدبلوماسي، ولا تستطيع التحكم بهذه التهديدات من دون أمر الحرس الثوري، وقد استوعب الرئيس روحاني ذلك، بدليل أنه أخذ يشكك بجدية الحوارات التي تدعو لها أمريكا بزعامة ترامب، بينما جنرالات الحرس الثوري الايراني رفضوا العودة لهذه المفاوضات بشأن الملف النووي، وهذا يعني رفضهم بحث انتشارهم العسكري في المنطقة، ما يعني أن لديهم ضمانات أن البنتاغون لن يقوم بأي عمل عسكري جدي، وأن تصريحات ترامب فارغة، بل حتى إذا كانت هذه التصريحات الترامبية تستهدف تقوية صفوف المعارضة الإيرانية ضد دولة الملالي، فإن الشعب الإيراني لا يثق بالخطة الأمريكية لتغيير نظام الحكم في ايران، ما اضطر الادارة الأمريكية إلى أن تعلن أنها لا تنوي تغيير نظام الحكم في طهران، وإنما تغيير سلوكها في المنطقة فقط، والتفاوض على شروط جديدة حول الملف النووي وغيرها.
إن رد الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، والمسؤول عن عمليات الحرس الثوري خارج إيران، وطلبه من ترامب عدم مخاطبة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وإنما توجيه الكلام له شخصيا، واعتباره أن ترامب ليس ندا لروحاني، هو رفض من إيران ان تدخل نفق الاستدراج الأمريكي لها على قاعدة العصا والجزرة، أو سياسة الترغيب والترهيب، بينما يدرك الايرانيون أن ترامب لا يستطيع تنفيذ تهديداته في صراع أمريكي إيراني خالص، ولذلك قد تلجأ إيران إلى توسيع صراعها مع دول المنطقة، ظناً منها أنها تستطيع الضغط من خلال ذلك على دول المنطقة وامريكا معاً، بينما هي تنفذ الخطة الأمريكية البديلة عن التهديدات المباشرة بينهما، وهذه الخطة البديلة هي دفع إيران مضطرة إلى توسيع حروب المنطقة وإغلاق مضيق هرمز وباب المندب، وإحداث مزيد من الدمار فيها، فهذا سيجعل دول المنطقة بحاجة إلى الدعم الأمريكي بدرجة كبيرة، وبالأخص في شراء مزيد من الأسلحة الأمريكية، وما سوف يرهق الاقتصاد الايراني أكثر فأكثر، وتكون العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران خطوات استفزازية على الشعب الايراني من جهة، وعلى الحرس الثوري وحكومته الايرانية للدخول في صراعات بينهما، تؤدي في النهاية إلى مزيد من تدمير دول المنطقة لبعضها بعضاً، من دون ان تخسر أمريكا جندياً واحدا.
كاتب تركي

نهاية الاستدراج الأمريكي لإيران

محمد زاهد جول

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    يصلح هذا المقال أن يكون في كتاب يوزع على السياسيين العرب حتى يحسوا بمؤامرات الصفويين والصليبيين والصهاينة علينا! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول جمال كردستاني:

    اللعبه في منطقتنا لاتزال في بدايتها
    تم انهاك العراق وسوريا والسعوديه
    تقود الخليج وفي حرب مع اليمن ، لبنان
    شبه فاقدة الاراده، ايران تحت الحصار
    وتركيا بدات تفقد بريقها الاقتصادي
    وليرتها تخسر قيمتها يومياً كل هذه
    الاحداث هي من مفردات الخطه المرسومه
    للمنطقه وفي كل صباح نصحو ونجد ان
    هناك مفاجاة تحدث هنا او هناك. الحاله
    تاخذ المزيد من الوقت وبمرور الزمن تتغير
    مفردات اللعبه كما تتطلبها مصالح
    المخططين. النتيجه ارباك المنطقه
    وامتصاص خيراتها.

إشترك في قائمتنا البريدية