تحول الاحتجاج عن طريق الصلاة الجماعية ليلا إلى «موضة « ، يقوم بها بعض الشباب الجزائري، ضد حفلات فنية في هذا الصيف الحار. الظاهرة انطلقت من مدينة ورقلة في الجنوب الجزائري، المعروفة بحقولها البترولية، لتصل إلى مدينة الأغواط (أكبر حقل غازي) أياما بعد ذلك، مرورا بمدن أخرى في الغرب الجزائري كبلعباس التي تصفها أغنية الراي الشهيرة بأنها بلد الفن والراي.
لم يمنع هذا الوصف الفني المتفائل، بعض شباب المدينة من الاحتجاج على تنظيم حفل غنائي والمطالبة بإلغائه، كما نجح في القيام بذلك شباب ورقلة والأغواط ومدن أخرى لم يتم الترويج الإعلامي لما حصل فيها.
قراءات عدة قدمت لتفسير الظاهرة وربطها بمتغيرات كثيرة، منها ما هو متعلق بالسياسة الثقافية الرسمية المتهمة بالقصور وعدم الجدية في اقتراح عرض فني وثقافي جيد للجزائريين، بمختلف شرائحهم العمرية وجهاتهم. لكن ما أرعب أكثر العديد من الأوساط الاجتماعية، هو تلك القراءة التي رأت في هذه الأشكال الاحتجاجية بداية ظهور للتيارات الدينية السلفية التي تشتغل تحت الأرض في الجزائر بين الشباب، منذ سنوات.
قراءة تملك الكثير من المصداقية إذا ربطناها بالتجربة التاريخية غير البعيدة، للمجتمع الجزائري، فقد عرفت مدن الجزائر، بما فيها العاصمة، عمليات من هذا النوع منتصف الثمانينيات، تكررت أكثر من مرة قبل أن تطفو إلى السطح الجماعات السلفية الكثيرة التي نشّطت العنف السياسي، الذي عانت منه الجزائر لأكثر من عقد كامل، وتسبب في ما هو معروف من خراب ودمار وقتل.
تخوف عبّرت عنه عدة أوساط ترى في هذه الحركات الاحتجاجية عملية «جس نبض» فقط لقياس مدى «تسامح وقبول» السلطات العمومية بمثل هذه الممارسات قبل الانتقال إلى مستوى أعلى في الاحتجاج وأشكاله، عندما يحين وقته وتتوفر شروطه، يكون عادة من إنجاز مجموعات منظمة صغيرة تقوم «بركوب» هذه الحركات الاحتجاجية ومنحها معاني وأهدافا لا تتوفر لديها بالضرورة في الوقت الحالي، تماما كما حصل عندما ركب التيار السلفي الجذري، الحراك الاجتماعي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ما يحيلنا إلى مستويات أخرى من التحليل للقيام بقراءة أكثر تشعُبا لهذه الاشكال الاحتجاجية التي اختارها الشباب في هذا الصيف، منها ما هو متعلق بتجربة هذا الجيل السياسية والتنظيمية في الحياة، وعلاقاته بالدولة ونظرته لها، نظرة إلى الدولة ونخبها يمكن القول، حتى نختصر في الموضوع، إنها في غاية السلبية. فكل ما يأتي من النظام ومؤسساته ونخبه مشكوك فيه ويرفض حتى إن كان حفلا فنيا في عز الصيف.
شباب في حالة مقاطعة شبه كلية لكل أدوات العمل العصري الجماعي العصري كالحزب والجمعية. تعود على مقاطعة الانتخابات السياسية كقاعدة عامة، ينظر بريبة كبيرة لكل ما يأتيه من النظام الذي يطالبه بكل شيء في الوقت نفسه كابن لهذه الثقافة الريعية التي لا يعرف غيرها. شباب يحول كل تجمع عام له للتعبير عن تذمره من أوضاعه والاحتجاج الجماعي، تعلق الأمر بملعب كرة القدم، أو حتى الوقوف في الشوارع ( الحيطيست) والساحات العامة والمقاهي. فما بالك عندما يتعلق الأمر بالصلاة التي تملك شرعية كبيرة لا يمكن المغامرة والمس بأدائها في مدن الجنوب المعروفة بممارستها لهذه العبادة بشكل كثيف تاريخيا، مقارنة حتى بمناطق أخرى من شمال البلاد والمدن تحديدا، التي لم تكن تعرف هذا الانتشار الواسع للصلاة الذي نجده عند الأجيال الصغيرة في العقود الأخيرة.
شباب تحول إلى فاعل رئيسي عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن مصالح الجماعة، تم ذلك بقرية صغيرة أو مدينة كبيرة أو جهة، بعد أن تبين له بالملموس أن النخب التقليدية من أعيان وشيوخ زوايا وسلطات منتخبة لم تعد قادرة على القيام بدورها التمثيلي، داخل نظام سياسي يملك قابلية كبيرة لرشوة الأفراد والمجموعات الصغيرة، لكنه عاجز عن إدماج فئات اجتماعية أوسع. وضع خلق فراغا سياسيا في الشارع الجزائري يمكن أن يغري أي مغامر باستغلاله عندما تحين الفرصة المواتية، خاصة مع إصرار النظام ومؤسساته على التشبث بهذه النخب التقليدية التي عفا عليها الزمن وفقدت هيمنتها داخل هذه المجتمعات الشابة المتحركة.
دور «ممثل الجهة» الذي يقوم به الشباب عن طريق هذه الحركات الاحتجاجية التي سادت في الجنوب، لا يمكن هو الآخر إغفاله أو التهوين منه، فقد نكون أمام مشروع ولادة نخبة جديدة أكثر تمثيلا وأحسن تعليما وأكثر فهما للتحديات المطروحة، فقد انجز الشباب مهمة التمثيل للجهة من قبل، وهو يطرح أزمة بطالة الشباب، وهو يعارض مشاريع استغلال الغاز الصخري، حتى وهو يقوم بالاحتجاج على موقف السلطات العمومية من جنازة العقيد أحمد بن شريف، غير المفهوم وغير المبرر، الذي أخلّ بشكل فج، بما عرف عن تسيير سياسي للنخب الممثلة جهويا في علاقاتها بالدولة المركزية، لا يمكن فهمه إلا كانعكاس لحالة الاضطراب الذي تعيشه مؤسسة الرئاسة، نتيجة للمرض الطويل للرئيس.
تمثيل جهوي للشباب، عن طريق هذا الحراك الشعبي الواسع، يزداد أهمية في مناطق هي المصدر الأساسي لثروة البلاد، من غاز وبترول وما تولده من أموال. لنكون وجها لوجه أمام مطلب يتعلق مباشرة بإعادة النظر في توزيع الثروة الوطنية ليس أكثر ولا أقل، يرى الشباب انه مختل لغير صالح جهتهم التي تعاني من تدن في مؤشرات التنمية، قرر الشباب عدم السكوت عنها، كما فعلت أجيال من قبل، ما جعلهم يطالبون بتلبيتها كحقوق اقتصادية واجتماعية، قبل أن تعرض عليهم هذه النشاطات الفنية الهزيلة التي استعملوا مقاطعتها كوسيلة احتجاج جماعي، استغلوا الصلاة الجماعية للزيادة من قيمته التعبيرية ومنحه شرعية أكبر.
حالة رفض للخلل في توزيع الثروة الوطنية التي عبرت عن نفسها في بعض الأحيان عن طريق بروز مواقف متشنجة في بعض الحالات على صفحات الفيسبوك، ضد أبناء المناطق الشمالية، المتهمين بالاستحواذ على أكثر من حقهم، نتيجة سيطرتهم على مقاليد سلطة التوظيف داخل المؤسسة الاقتصادية العمومية ومراكز القرار الاقتصادي والسياسي الأخرى، في وقت تشح فيه الموارد ويزداد فيه الصراع على مصادر الثروة، وتتوحد فيه أنماط الاستهلاك بين شباب الجنوب والشمال، المدينة والريف. عكس ما أرادت أن توحي به هذه الحركة الاحتجاجية التي تطالب بالاقتصادي والاجتماعي قبل الثقافي والفني، بالجماعي قبل الفردي وكأن على الجزائري أن يختار بين أداء صلاة الجماعة، أو الذهاب للاستمتاع بحفل فني ساهر.
كاتب جزائري
ناصر جابي
العسكر تدخل و أحدث ضجة من أجل تمثال امرأة عارية..لأن هدا التمثال يمثل قيم القوة الاستعمارية اللتي دعمت الانقلاب العسكري الدموي ضد المسلسل الديمقراطي في التسعينيات و الآن يحاربون من جديد الهوية الإسلامية و طمسها بالحفلات التي تكلف الملايير في حين أن أغلب المناطق تفتقد الماء الصالح للشرب و البنية التحتية …
“فقد عرفت مدن الجزائر، بما فيها العاصمة، عمليات من هذا النوع منتصف الثمانينيات، تكررت أكثر من مرة قبل أن تطفو إلى السطح الجماعات السلفية الكثيرة التي نشّطت العنف السياسي، الذي عانت منه الجزائر لأكثر من عقد كامل، وتسبب في ما هو معروف من خراب ودمار وقتل.” يا سلام على الدكتور عندما يكون نزيها و بدون افكار مسبقة و بدون منطلقات اديولوجية !
والله كل هذا الرعب والضجيج من مجرد موقف رفض الحفلات الهابطة أو تجمع شبه عفوي للصلاة.. هو دلالة عن عقلية إستئصالية مقيتة تحكم النخب التي ترفض القبول بالهوية المحافظة للشعب الجزائري والإعتراف بها..
أسخف ما في الأمر محاولة ربط هذه المواقف بالتيارات السلفية أو أطراف إسلامية ومن ثمة وضعها في سياق مؤامرة ومشروع ظلامي يحاك في الظل.. بينما يضرب صفحا عن المشروع التغريبي الفركوفوني الذي يجري على قدم وساق
إنه حقا لأمر بائس وعنصري يبعث على الغثيان وينذر بذهنية صدامية خطيرة معشعشة لدى هذه النخب..
هؤلاء المحتجون يقولون في حملاتهم في مواقع التواصل بأن الغناء منكر و يجب تغيير المنكر إذن الإحتجاجات مسيّرة من طرف متطرفين. هي فعلا مثل احتجاجات ما قبل الحرب الأهلية. كان الأحري بهم أن يتظاهروا ضد الإنتخابات المزورة و ضد الفساد أمام الجهات المسؤولة (البلدية، الولاية، قصر الحكومة، المرادية…) وضد ترشح الرئيس المريض للرئاسة من جديد
نعم نختار الصلاة ولا نقارنها بالغناء أبدا فشتان بين الصلاة والغناء الغناء عند هؤلاء هو المجون والخلاعة ومحاربة كل ما هو مقدس. ثم أين الغناء الجزائري المتزن والرزين الذي يراعي دوق الجزائريين وأخلاقهم؟ أين غناء الشعبي المنبثق عن الاندلسي؟ أين الغناء الصحراوي لخليفي أحمد؟ الذي تغني بعفة الرأة الجزائرية وجمالها؟ وبطبيعة الصحراء الخلابة وكرم أهلها؟ أصبح الفن عفوا العفن هو الراي الذي لعب البهود الفرنسيون دورا كبيرا في ترويجه في الثمانينيات هل هذا غناء يليق بالمجتمع أو برواد الكاباريهات؟ عفوا نحن لسنا ضد الغناء الملتزم والراقي: الحاج العنقى وقروابي وعمر الزاهي ودرياسة وخليفي أحمد رحمهم الله والبار عمر…لكن لا للمخنثين والمخنثات الذين جلبوا لنا العار. لماذا كلما استشاط الشعب نربط ذلك بالاسلام السلفي والراديكالي والجذري.يا صاحب المقال أنتم من حيث تدرون أم لا فإنكم ترددون الدعاية الصهيونية والصليبية على أن المسلمين راديكاليون. نهم نحن راديكاليون في القضايا المبدئية
الدين يسر وليس عسر . ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) . لقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان ، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا» .
على الجزائري أن لا ينصاع للمتاجرين بالدين الإسلامي الحنيف من أجل المال والبنين وزينة الحياة الدنيا ، ولا يضيره أن يذهب إلى حفلات الغناء بعد أن يكون قد قام بصلاة العشاء .