المسلسل الأسترالي «رومبر ستومبر»: دراما سوداء عن النازيين الجدد والعنصرية ضد المسلمين

حجم الخط
0

في مشهد تمثيلي يقوم شخص غير مسلم بارتداء حزام ناسف وتفجير نفسه وسط جمع من الناس، ويكون من بين ضحاياه مسلمون أبرياء، هذا المشهد لا نراه في الدراما العربية الأشد حرصاً على إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، دون غيرهم من البشر، وجعلها حكراً عليهم، وكأنما باتت سائر العقائد والثقافات منزهة عما يتعرض له الإسلام من اختراق واستغلال من أجل صناعة «الإرهاب»، الذي هو ذراع قذرة للاستبداد وأداة شيطانية لتنفيذ المصالح العالمية الكبرى، وإنما نرى ذلك المشهد التمثيلي في المسلسل الأسترالي «رومبر ستومبر» إنتاج شبكة ستان 2018 وقامت «بي بي سي» البريطانية بشرائه وعرضه مؤخراً، المسلسل كتبه وأخرجه الفنان الأسترالي «جيفري رايت»، الذي شعر بضرورة إعادة إنتاج أو إعادة تطوير فكرة فيلمه القديم، الذي يحمل عنوان المسلسل نفسه، والذي كتبه وأخرجه في عام 1992 وقام ببطولته النجم العالمي «راسل كرو» ، فبعد مرور كل هذه السنوات ألحت فكرة العنصرية من جديد على «رايت» فتناولها هذه المرة بشكل أكثر تفصيلاً وعمقاً في مسلسل من ست حلقات، مدة الحلقة ساعة كاملة تمتلئ بالمعلومات والتفاصيل والأحداث والدراما الثقيلة.

تشابه بين الفيلم والمسلسل

والحق أن أوجه التشابه بين الفيلم والمسلسل قليلة جداً يمكن حصرها في العنوان وفكرة العنصرية ووجود مجموعة من النازيين الجدد أو حليقي الرؤوس، فالفيلم يدور حول اعتداء مجموعة من النازيين الجدد على مجموعة من العمال الفيتناميين في أستراليا ولا وجود للمسلمين على الإطلاق في الفيلم، كما يركز على مشاهد الحركة وجولات العنف المتبادل عندما يضطر الفيتناميون إلى إتباع الأسلوب نفسه للدفاع عن أنفسهم، ولا يتعمق الفيلم في أفكار هؤلاء النازيين الجدد ولا يعرض الدوافع والأهداف الحقيقية وراء أفعالهم، على العكس من المسلسل الذي يغوص داخل عقولهم ونفوسهم ويفرد المساحات الكافية والحوارات الدرامية المطولة الكاشفة عن أفكارهم الوطنية والدينية، وقد استبدل «رايت» الفيتناميين بالمسلمين هذه المرة، لأنهم على ما يبدو قد صاروا مضطهدي هذا العصر، فالمسلسل يتناول فكرة العنصرية ضد المسلمين تحديداً فيبدأ بمشهد لمهرجان الطعام الحلال يقيمه بعض الأستراليين المسلمين في مدينة ملبورن، ويقومون بعرض الأطعمة في سلام إلى أن تأتي جماعة النازيين الجدد ويصيحون من خلال ميكروفون بعبارات الهجوم والرفض لما يرونه محاولة لأسلمة أستراليا وتطبيق الشريعة، ويمسكون بخنزير مذبوح معد على سيخ الشواء ويرفعونه في وجه المسلمين.
تقف بعض قوات الأمن كحاجز لمنع أي اعتداء، ثم يحدث اشتباك عنيف ليس بينهم وبين المسلمين وإنما مع نشطاء اليسار أو نشطاء ضد الفاشية الذين يخفون وجوههم ولديهم استعداد للعنف لا يقل عن النازيين الجدد، على الرغم من أفكارهم العظيمة التي تؤمن بالمساواة وعدم وجود حواجز بين البشر وقيم التعدد والانفتاح، يشتبك الفريقان في معركة عنيفة ويلحق كل منهما الضرر بالآخر، بالإضافة إلى تحطيم مهرجان الطعام وتدمير المكان وإصابة عدد من المسلمين الذين لم يحاولوا الدخول في هذه المعركة وبدوا في حالة كبيرة من الضعف والخوف.
يقدم المسلسل ثلاث شخصيات مسلمة هي (ليلى – فريد – مالك) تتباين ردود أفعالهم تجاه ما يحدث، فترى «ليلى» أن الحل في الحوار والتحدث في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أما حبيبها «فريد» فيرى أن الحل في الانسحاب والاختباء والصمت وعدم المواجهة، حتى عندما يتعرض للضرب في مهرجان الطعام وتُكسر أنفه لا يحاول الرد أو أخذ حقه بشكل عنيف أو سلمي قانوني، أما شقيقه «مالك» بطل رياضة «فنون القتال المختلطة» فيحمل بداخله كماً هائلاً من الغضب وينقم على شقيقه ويعيب عليه ضعفه وسكونه واستسلامه، وهو على ذلك مسالم أيضاً لا يرى بضرورة الاعتداء على أحد، وإنما يرى ضرورة دفع الأذى وأن على شقيقه أن يتعلم فنون القتال كي يخافه الآخرون. قدم المسلسل هذه الشخصيات المسلمة على أنها أسترالية فلا يذكر لهم جنسيات أخرى أو انتماء آخر فهم أستراليون مسلمون وحسب، ولا يتم ذكر المنطقة العربية أو منطقة الشرق الأوسط إلا من خلال المحاضر في الجامعة التي تدرس بها «ليلى» وهو يشرح ويوضح على خريطة كبيرة أن السبب في عدم استقرار هذه المنطقة هو وجود ثلاث دول هي: إسرائيل، السعودية، إيران.
ومن الشخصيات المهمة في هذا المسلسل، والتي تتطور عندها الأحداث، شخصية المذيع التلفزيوني «جاغو زوريك»، والذي يبدو مألوفاً بدرجة كبيرة للمشاهد العربي المحاصر، بمثل هذه الوجوه التي تسمم الروح، يصوره العمل كمصاص الدماء الذي يجدد دمه ويعيش على دماء الآخرين، فبعد أن يرى «ليلى» على قناة إخبارية تتحدث بطلاقة عن حادثة مهرجان الطعام، وبعد أن يرى صورها بالملابس العارية على البحر في صفحتها الخاصة على فيسبوك، يقرر أن يأتي بهذه الفتاة المسلمة الجميلة اللبقة إلى برنامجه المذاع على الهواء وأن يعد لها فخاً كبيراً ويقدمها للعالم على أنها إرهابية وينجح في أن يصمها بتلك الوصمة عندما تذهب إليه «ليلى» على الرغم من رفض حبيبها «فريد» فتفاجأ بزعيم النازيين الجدد ضيفاً في مواجهتها في الحلقة، وفي مشهد طويل يحتوي على الكثير من التفاصيل المألوفة أيضاً من تفتيش في النوايا وهجوم ونفث سموم وأحقاد تنهزم «ليلى» ويتم تصويرها على أنها إرهابية لأنها لا تريد أن تهاجم الإسلام مثلهم.
تغير «ليلى» موقفها بعد هذه الحلقة وتنضم إلى اليسار المتطرف الذي يسعى إلى ضمها إليه، رغم أنها كانت ضدهم وترى أنهم متطرفون أيضاً وأنهم يريدونها كصورة للتعدد وكدليل على أن جماعتهم تضم مختلف الثقافات والأديان، فترتدي القناع وتذهب معهم لاقتحام منزل المذيع الأنيق لإلقاء القمامة بداخله وكتابة عبارات ضده على الجدران، وعندما يسمع أصواتهم ويخرج مسرعاً من حوض الاستحمام تنزلق قدمه ويسقط على رأسه ويموت، فيهرب الجميع وتنهار ليلى لأنها تسببت في مقتل إنسان، ثم يأتي زعيم النازيين الذي كان يراقب تحركات ليلى ويتبعها، فيدخل منزل المذيع ويكتب على الحائط «الله أكبر» باللون الأحمر، فيبدو من خلال هذا المشهد أن أصحاب الأفكار العنيفة وإن بدوا متصارعين يعاونون بعضهم البعض من دون أن يشعروا.

موت الجميع

ينتهي المسلسل بمشهد «ماغو»، أحد النازيين الجدد الذي يرتدي حزاماً ناسفاً ويقوم بتفجير نفسه في لقاء يقيمه النائب البرلماني «أنابيسيس» والذي يضم ليلي وفريد وجماعة ضد الفاشية الذين ذهبوا للتحدث مع النائب الذي يعمل من أجل عدم استغلال حادثة مقتل المذيع وتعديل قوانين الهجرة ويموت جميع الموجودين في المكان في انفجار ضخم، تعمد المسلسل تقديم المشاهد العنيفة والأجواء المخيفة فعرض تفاصيل معسكر تدريب النازيين الجدد، حيث ترفع رايات النازية وعليها رمز الصليب المعقوف، ويتم التدرب على استخدام الأسلحة والمتفجرات، وكذلك التدرب على الذبح بالأسلحة البيضاء ويكون ذلك على الخنازير، كما يعرض ما يقومون به من دوريات في الشوارع، حيث يسيرون مرتدين السترات الزرقاء ويسمى الفرد منهم بالوطني الأزرق، ويكون هدفهم حماية ومساعدة أي مسيحي أبيض والقضاء على أي مظهر من مظاهر الإسلام والاعتداء على المسلمين من أجل حماية بلادهم من أعداء الوطن كما يسمونهم والحفاظ على هوية أستراليا المسيحية.
كما يوضح المسلسل أن العنصرية ليست نتاج الدين فحسب وأن سببها الوحيد هو الكراهية ورفض الآخر وإنكار حقه في الوجود، وأن هذه الكراهية يمكن أن تتستر وراء الدين أو الأفكار الرائعة، فكان معسكر ضد الفاشية لا يقل حرصاً على العنف والانتقام عن النازيين الجدد، فالعنف والكراهية كلاهما اختيار شخصي ولا يمكن وصم فئة من الناس بأكملها باعتناقها للعنف والتطرف، لأنه لا توجد قواعد محددة في مثل هذه الأمور، فكما أن الإرهاب لا يقتصر على الإسلام، فإن النازية لا تقتصر على المسيحية، فهناك نازيون جدد من المسلمين أيضاً، وهناك من المسلمين من يتعرضون للعنصرية في بلادهم الأصلية.
كاتبة مصرية
7DRA

المسلسل الأسترالي «رومبر ستومبر»: دراما سوداء عن النازيين الجدد والعنصرية ضد المسلمين

مروة متولي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية