الرستن (سوريا) – أ ف ب: في احد شوارع مدينة الرستن السورية، يراقب سليمان بتوتر قافلة ينهمك عسكريون روس بتفريغها من المساعدات ولا يحيد بنظره عنها إلى أن تطل زوجته من بعيد وفي يديها صندوق مواد غذائية يفترض أن تكفيه وعائلته للأيام المقبلة.
ويعتمد الشاب البالغ من العمر 31 عاماً على المساعدات الغذائية التي توزعها روسيا على سكان الرستن، منذ سيطرة قوات النظام عليها في أيار/مايو الماضي اثر اتفاق قضى بإجلاء المقاتلين المعارضين غير الراغبين بالتسوية من كامل ريف حمص الشمالي. وزار حوالى عشرين صحافياً من مؤسسات دولية مدينة الرستن شمال حمص على هامش جولة إعلامية نظمها الجيش الروسي.
أمام قافلة المساعدات، يتدافع حوالى مئة شخص بينهم أطفال بثياب رثة للحصول على صندوق من المساعدات يحوي بشكل أساسي على الأرز والدقيق والحليب المركز، وكتب عليه شعار «روسيا معنا» باللغة الروسية إلى جانب العلمين السوري والروسي.
ويقول سليمان بربر «كان الأمر صعباً خلال الحرب، لم يكن لدينا الكثير لنأكل أو نشرب (…) أما اليوم فهناك المساعدات، بات الوضع أفضل». وتوزع روسيا مرة يومياً مساعدات غذائية في الرستن، وفق ما يقول المتحدث العسكري إيغور كوناشينكوف. ويضيف «سنواصل ذلك إلى أن يتحسن الوضع الغذائي في سوريا، وهذا قد يحتاج أشهر عدة بعد إنتهاء الحرب».وأسفر النزاع المستمر في سوريا منذ العام 2011 عن دمار هائل تبلغ كلفته وفق الأمم المتحدة نحو 400 مليار دولار. كما شرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وحسب منظمة الصحة العالمية، يعاني 6,5 ملايين شخص في سوريا من إنعدام الأمن الغذائي.وأوردت المنظمة في تقرير في تموز/يوليو الماضي أن «ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، والركود في الرواتب، وخسارة مصادر الزرق وتراجع انتاج الغذاء» جميعها عوامل أدت إلى انعدام الأمن الغذائي في كافة أنحاء البلاد.ووزعت المنظمة الدولية في تموز/يوليو وحده مساعدات لـ3,35 ملايين شخص في محافظات سوريا الـ14.
زراعة خاسرة
في بلدة أرزة قرب مدينة حماة (وسط)، ينهمك بين 15 إلى 20 عاملاً في زراعة أرض. وبين هؤلاء نازحون من مناطق سورية أخرى وآخرون عادوا مؤخراً من دول اللجوء. وقد عمد البعض أيضاً إلى استئجار أراض لزراعتها وتأمين لقمة العيش لهم ولعائلاتهم. ويتذكر احمد علي الطويل، صاحب إحدى الأراضي التي يعمل فيها النازحون، أنه قبل سنوات «كانت المعارك تبعد خمسة كيلومترات عنا، ولا يتمكن العمال من المجيء».
ورغم عودة الهدوء إلى المنطقة بعد تقدم قوات النظام خلال العامين الماضيين على جبهات عدة بينها في محافظة حماة، يقول علي أنه لا يزال «يعمل بالخسارة».ويضيف «فاكهتنا تُباع بأسعار منخفضة جداً» مع تراجع التصدير نتيجة العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على سوريا، مقابل ارتفاع في اسعار الأسمدة الضرورية للزراعة.ويأتي ذلك رغم زيادة الانتاج، وفق قوله، نتيجة «هطول الأمطار الغزيرة، ما يناسب جداً زراعة البطاطا والفاكهة».وشهدت سوريا بين العامين 2006 و2010 جفافاَ قاسياً دفع كثيرين إلى مغادرة مناطقهم الزراعية إلى دمشق وغيرها من المدن بحثاً عن العمل. وفي العام 2014، حذرت الأمم المتحدة من تجدد «شبح الجفاف» في سوريا.
سكاكر في السوق
وأقرت الحكومة السورية الشهر الحالي وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، خطة لزراعة «المناطق المحررة في جميع المحافظات» تتضمن «اعفاء استيراد الاعلاف من الرسوم بشكل كامل (…) واعفاء مشاريع الزراعة الاسرية من رسوم الترخيص».وقال رئيس الحكومة عماد خميس إن «نهوض قطاع الزراعة بمكوناته النباتية والحيوانية يشكل أولوية في عمل الحكومة نظرا للدور الذي يلعبه في تنمية الاقتصاد الوطني».
في وسط مدينة حمص، حيث لا تزال أثار القصف والمعارك العنيفة بادية في كل مكان، نظم محافظ حمص طلال البرازي زيارة للصحافيين إلى سوق المدينة القديمة الذي يعود إلى القرن الثالث عشر.واستعادت قوات النظام السيطرة على المدينة القديمة اثر حصار خانق في العام 2014، وبدأت تدريجياً العمل على إعادة تأهيل السوق الذي ارتفعت فيه قناطر جديدة، وفتح تجار محالهم رغم قلة الزبائن. يملك محمد (45 عاماً) متجراً لبيع السكاكر افتتحه جد والده العام 1929، وقد بناه مجدداً بجهده الشخصي خلال ثمانية أشهر من العمل في العام 2015. ويقول محمد «بالطبع، الاعمال ليست كما كانت (قبل الحرب). ارتفعت الأسعار كثيراً والقادرون على شراء الغذاء باتوا قلائل، وأقل منهم زبائن السكاكر»، مشيراً إلى أنه فقد نحو 30 في المئة من زبائنه بعد الحرب. ورغم ذلك، يضيف «نحن فرحون، كنا نظن أننا لن نعود أبداً».