عمان- «القدس العربي»: المفارقة التي التقطتها أكثر التغريدات الإلكترونية تداولاً بين نشطاء التواصل عند وقوع آخر جريمة إرهابية في مدينتي السلط والفحيص لا علاقة لها حصرياً بموجة السخرية الشعبية اللاذعة بقدر ما لها علاقة بحوار أعمق يدور في كواليس المشهد الأردني عن تلك الثنائية بين «الارهاب والفساد».
طوال الوقت ومنذ فقد الشعب الأردني أربعة شهداء من رجال الأمن يوجه اللسان الشعبوي الساخر التحية لرجل الأعمال الفار من وجه العدالة وبطل ملف فساد التبغ عوني مطيع التحية ويحسده على حظوظه السعيدة لأن مجموعة من الشباب التكفيريين نجحوا في خطف وتحويل الأضواء عن قضيته لصالح الجرائم التي ارتكبوها فجأة باسم الدين ضد مؤسسات الأمن.
وطوال الوقت يتداول الأردنيون على وسائطهم تلك التقييمات التي لا تقف عند حدود تهنئة مجموعة فساد التبغ بانصراف الأضواء عنهم بل تتجاوز في اتجاه استنساخ كل المقولات والنظريات التي تثبت بأن الإرهاب والتشدد هو نتيجة عملية لشيوع الفساد والامتناع عن محاربته. وفي الوقت الذي انصرفت فيه قضية التبغ إلى ظلها القانوني لا تزال وحتى اللحظة جريمة الفحيص والسلط وتفاصيلها في عتمة سرية التحقيقات حيث لم تقدم تفاصيل للرأي العام عن الملفين بعد في الوقت الذي عادت فيه الأضواء لقانون ضريبة الدخل الجديد الذي طهي في الظل على نار هادئة وبدأت الحكومة بترويجه ضمن معادلات جديدة.
قانون الضريبة المشار إليه أثبت قدرة على الصمود والبقاء وبصورة تثبت أن البنك الدولي والمؤسسات المالية المانحة مصرة على القيمة والقواعد بصرف النظر عن التفاصيل وإسقاط حكومة وحراك شارع وتشكيل وزارة جديدة.
القانون بكل حال لا بد له ان يفرض ضرائب جديدة.هذا ما يؤكده رئيس التجمع الوطني للفعاليات الاقتصادية خليل الحاج توفيق في كل حواراته الفنية مع «القدس العربي».
لكن الجديد سياسياً هو ان تلك المفارقة التي تشبك البعد الإجرامي الإرهابي بتسريبات وأحاديث الفساد ليست مقتصرة على مخيلة الشارع، فـممثلو العديد من السفارات الأجنبية والمنظمات الدولية بما فيها المانحة يطلقون امام المسؤولين الأردنيين وبكثافة هذه الأيام تلك القناعات والطروحات التي تتحدث عن نمو متوقع للتشدد والتطرف وحتى الإرهاب في بعض الأحيان في حال اقتصار مواجهة الفساد على الخطاب الإعلامي الإنشائي.
«الفساد يغذي الإرهاب والتطرف»، هذه العبارة كانت مفاجأة لنخبة من الشخصيات الأردنية من بينها أعضاء في مجلس الأعيان عندما صدرت عن السفير البريطاني في احد اللقاءات الاجتماعية.
واللافت جدًا لبعض أعمق دوائر القرار في عمان هو ان الدبلوماسية الغربية النشطة التي تزعم حرصها الشديد على أمن واستقرار الأردن بدأت تميل في لعبة غامضة الخلفيات حتى اللحظة إلى مثل هذا التشبيك في الاستنتاجات لان الفساد وطوال الوقت ينتج بيئة خصبة للتمرد على القانون ومساعدة التطرف، الامر الذي يوافق عليه في سياق نقاش مفصل مع «القدس العربي» ناشط سياسي واجتماعي بارز ومعني بملف الوسطية في الاسلام من وزن المهندس مروان الفاعوري.
ثمة فيما يبدو حوارات مع دبلوماسيين ومسؤولين اجانب خلف الستارة تحاول لفت نظر الحكومة الأردنية إلى ان استشراء الفساد هو وصفة منهجية تغذي مبررات الانحراف والتطرف في المجتمع.
ولم يعد مثل هذا الكلام عابراً بل بدأ يرد في محاضر اجتماعات رسمية وان كان مزاج الشارع قد التقط المفارقة قبل الجميع وهو يسجل على طريقة الصحافي والإعلامي الناشط على وسائط التواصل نايف المحيسن تلك المفارقة المشار اليها وقوامها استفادة الإرهاب من التراخي في مواجهة الفساد والأضواء التي لاحقت خلية السلط بدلاً من قضية رجل التبغ عوني مطيع.
في الافق نفسه يصر المفاوضون باسم البنك الدولي وهم يتناقشون حول الية الضريبة الجديدة مع زميلهم السابق الذي اصبح رئيساً للوزراء وهو الدكتور عمر الرزاز على ان قواعد اللعبة في مسألة عجز الميزانية الأردنية تحديداً ينبغي ان تتبدل وفقاً لأنماط الاستغراب من حالة الهياج التي اسقطت حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي مع ان المطلوب رقمياً كان لا يزيد عن 400 مليون دينار نسبة لتخفيض العجز في الوقت الذي يلتهم فيه الترهل الإداري والفساد بكل انماطه أكثر بكثير من هذا المبلغ.
المعنيون بالتفاوض والنقاش هنا يتحدثون أيضا عن كلفة فساد الكفاءة المتدنية للتحصيل الضريبي قياساً بالضجة التي ثارت ضد قانون الضريبة السابق. وهنا برزت عبارات مبعوثي البنك الدولي مثل الكرم المبالغ فيه بالإعفاءات الضريبية وغياب نظام رقابة التحصيل حيث ان المبالغ التي ارتبطت حصرياً بخلية التبغ الفاسدة وتساهلت حكومة سابقة في تحصيلها تقترب على الأقل من ثلث المطلوب العام الماضي لسد عجز الميزانية.
وحيث ان البنك الدولي ايضاً يتحدث عن تضخم كوادر وهياكل وظيفية في بعض المؤسسات وعن شفافية منقوصة في أرقام الميزانية الرسمية في الوقت نفسه. مثل هذا التشبيك جديد تماماً في لغة التفاوض العميقة مع المؤسسات والسفارات.
وهو تشبيك التقطه مسبقاً كما ذكر الشارع مبكراً، الأمر الذي ينتهي بوجود نقاش مرتبك وخطير وحساس في مربع صغير له ارتباط بتلك العلاقة الغامضة بين الإرهاب والفساد أو بمعنى آخر بين دلالات خلية التبغ الفاسدة وتداعيات خلية السلط الإرهابية.
تناور اليوم أطراف عدة في حراك الشارع بالداخل ودوائر القرار المالي في الخارج في هذه الزاوية المغرقة بالضيق والدقة والحرج.