هذه هي طبعة العام 2024 من كتاب «شخوص الفلسطيني: هوية الأصول، هوية الصيرورة»، عمل المؤرخ والروائي والمترجم الفلسطيني المرموق الياس صنبر الذي صدرت طبعته الأولى سنة 2004، عن الدار ذاتها، وأثار في حينه ردود أفعال واسعة، إيجابية بصفة عامة، كما نال «جائزة الصداقة الفرنسية ـ العربية» في العام ذاته.
وصنبر يهدي كتابه إلى الفيلسوف الفرنسي الراحل جيل دولوز (1925-1995) وفاءً لصداقة وثيقة جمعت بينهما، الأمر الذي يذكّر القارئ، تلقائياً، بحوار معمق وفريد دار في أيار (مايو) 1982 حين شاء دولوز مشاركة صنبر الاحتفاء بحدث ثقافي وسياسي نوعي هو صدور العدد الأول من «مجلة الدراسات الفلسطينية» Revue d’Études Palestiniennes في باريس، عن منشورات مينوي العريقة؛ بالتعاون آنذاك بين صنبر وفاروق مردم بك وليلى شهيد، قبل أن ينضمّ إليهم سمير قصير.
وإلى جانب ترجماته البارعة لعشرات من قصائد محمود درويش، أصدر صنبر العديد من الدراسات المتميزة حول فلسطين والقضية الفلسطينية؛ بينها: «الفلسطينيون على امتداد القرن»، «فلسطين، البلد الآتي»، «مُلْك الغائبين»، «قاموس عاشق فلسطين»، «شرح فلسطين للجميع»؛ إضافة إلى تحرير عدد من الأعمال الفوتوغرافية، بينها «القدس وفلسطين»؛ و4 مؤلفات بالاشتراك مع فاروق مردم بك، بينها «أن تكون عربياً».
شخوص الفلسطيني، في كتاب صنبر المشار إليه هنا، تبدأ من أهل الأراضي المقدسة وفلسطين القرن التاسع عشر، ضمن «مشهد أكبر» عربيّ التكوين و«مشهد أصغر» فلسطيني الديموغرافيا والمدن والبلدات والعوائل الكبرى؛ وصولاً إلى تحوّلات البلد، بفعل عوامل دولية عثمانية وغربية وصهيونية. الشخوص الثانية هم «عرب فلسطين»، الفصل الذي يستهله صنبر بالاقتباس الشهير من آرثر كوستلر: «في فلسطين أمّة وعدت أمّة ثانية بأرض أمّة ثالثة»، ويتناول فيه بدء التأثيرات الصهيونية وزيارة وايزمان إلى «أرض بلا شعب»، ولعبة بريطانيا، وإضراب/ ثورة 1936، والحرب الفلسطينية ـ الإسرائيلية الأولى 1947-1948، والمجازر على غرار دير ياسين. ثالث الشخوص هو «الفلسطيني اللامرئي»، الغائب، وفيه مباحث حول التغييب وإنكار الوجود وطمس الأسماء واغتصاب الأراضي والتدمير الشامل على مستوي المدن والبلدات والقرى؛ إلى جانب فئة «الحاضر/ الغائب»، ومجتمعات الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني، ومواقع الغياب الأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزّة واللاجئين في الشتات…
وفي مقدمة كتابه يشير صنبر إلى مصدر أوّل أوحى إليه باستخدام مفردة «شخوص»، كان فيلم «شخوص في منظر طبيعي»، من الأعمال غير المشهورة للمخرج الأمريكي جوزيف لوزي؛ ومصدر ثان، أتاحته زيارة إلى متحف «تيت مودرن» في لندن، كان لوحة فرنسيس بيكون التي تحمل الاسم ذاته. ورغم أنّ صفة الشخوص لازمت صنبر طويلاً، فإنّ الخيط الرابط بين شريط لوزي ولوحة بيكون مكّنه من الإمساك أخيراً بخيط قضية الهوية الفلسطينية، سواء على مستوى الفرد أم الجماعة، العامّ منها أو الخاصّ.
وبين فضائل الكتاب الكثيرة أنّ صنبر يفرد في نهايته ثبتاً بالمراجع عن القضية الفلسطينية يمتد على 20 صفحة، غنياً وبالغ التنوّع والاشتمال.
Editions Gallimard, Paris 2024