«Sarakoona» كلمة السّر الجديدة…

حجم الخط
13

كلمة السّر قديمة جدا، أشهرها في تراثنا «افتح يا سمسم» في قصة «علي بابا والأربعون حرامي». وأذكر أن كلمة (سمّاق) كانت كلمة السر في إحدى قصص الجدات، وهناك نكات كثيرة عن كلمة سِرّ بين الرجل وزوجته، تعني نيّتهما الاجتماع بعد نوم الأطفال، وذلك في الأسر الفقيرة والبيوت المكتظّة، عادة يكتشف الأطفال كلمة السِّر وما ترمي إليه. إحداها تقول إن أحد الأطفال رأى الإشارة وهي إشعال الأب لولاعته، كرّرها الوالد عدة مرات دون جدوى، فقد كانت الزوجة متعبة وتغط في نوم عميق، حينئذ أيقظها طفلها وقال لها: «يما قومي عند أبوي أحسن ما يحرق البيت».
كانت إذاعة الثورة الفلسطينية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تخصّص فقرة لكلمات السِّر، وكانت عبارة شفافة جدا، من فلان إلى فلان «وصلت الهدية»، تتكرر كثيرا، والهدية على طريقة رواية أم سعد لغسان كنفاني، لا تعني سوى السِّلاح.
أصبحت كلمة السّر جزءا من حياتنا اليومية، وبعدما كنا نستخدم واحدة أو اثنتين قبل سنوات قليلة، صارت كلمات السِّر تتراكم وتزداد يوما بعد يوم، فكي تدخل هاتفك تحتاج إلى كلمة السّر، وكذلك إلى حاسوبك الأرضي، ثم حساباتك في مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني من مختلف الشركات، والكثير من التطبيقات التي تطلب كلمة سر، كذلك الأمر على مداخل الكثير من البيوت، والعمارات التي لا تستطيع دخولها إلا بأرقام سرّية، وحساباتك مثل المصرف، ومؤسسات رسمية مثل مصلحة الضرائب والتأمين الرسمي الإلزامي وتأمين الحياة إذا وُجد، ودفع الحساب لشركة الكهرباء، والهاتف والماء، والاشتراك في صحيفة إلكترونية، حساب قصص أطفال مصورة، حساب مواقع لمقالات ودراسات مهمة، حساب مواقف السيارات، وجمعية للفنون أنت عضو في إدارتها، كلهم يطلبون منك كلمة سّر، إضافة إلى أرقام تشغيل محرّك السّيارة، عادة لا تبقى سرا، فهي تكتب على المظلة فوق رأس السائق.
ليس سهلا أن تحفظ عن ظهر قلب جميع كلمات المرور، ولم يعد الاتكال على الذاكرة كافيا، خصوصا تلك الحسابات التي لا تستعملها إلا نادرا، وبعد تجربة نسيان كلمات مرور كنت أختارها بصورة عشوائية، أدركت أن ذاكرتي صارت تخونني، فيخبرني التطبيق أن كلمة السِّر التي أدخلتها غير صحيحة، أو قديمة، وعليك أن تكتب الجديدة، ثم يسألك: هل نسيتها! ويرشدك إلى كيفية تجديدها، في البداية كنت أشعر بالخجل من التطبيق الإلكتروني لكثرة الأخطاء وإعادة تجديد كلمة السّر، واستغرق معي وقتا لأستوعب أنه لا حياء في الإلكترونيكا، وهو لطيف لا يتذمّر ويقول لي إنها ضعيفة، فأقوّيها بإضافة رمز ما، فيقول لي لا بأس، فأضيف حرفين فيرد، «هذه قويّة».
عملت نظاما جديدا لكلمات السِّر، وهي كلمة سِرّ واحدة لجميع حساباتي (رغم أنه غير محبّذ)، أضيف لكل حساب اسما قريبا مني ورقما تسلسليا أحفظه بسهولة، عادة أضيف اسم جار أو صديق أو صديقة، أو فاكهة الموسم، مثلا، بطيخ، أو مشمش، أو تين، فقوس. أو طبخة اليوم، بامية، أو فلافل، مثلا، زائد كلمة السّر الثابتة والرقم التسلسلي الإضافي. ما ضرورة كل هذا؟ يا أخي، هل عندك حسابات تخصيب اليورانيوم؟؟ أم في حسابك ملايين تخشى سرقتها؟
تقول النكتة إن رجلا قال لزوجته اطلبي وتمني أي شيء في نفسك وسألبيه لك، فقالت له: على بالي آكل لحم نمر، فرد مندهشا: ولو؟! هذه صعبة، يا ريت لو أسهل منها، فقالت له أعطني كلمة سر هاتفك لأدخل إليه فرد عليها: على كل حال، تريدين لحم النّمر مشويا أم كفتة؟
بعد مرور أشهر، تختلط عليّ الأسماء، يا ترى هذا حساب رشيد أم فتحية أم نهاد؟ أحاول التذكّر.. أجرّب البطيخ أو الفقّوس، البرتقال! ربما أنه زبيب، أو شيشبرك، بل مقلوبة؟؟
ولأن الإنسان من النسيان كما يقال، صرت أكتب كلمات السّر على صفحة الملاحظات في الهاتف، فجمعت العشرات منها، جديدة وقديمة، ولكن الهاتف أيضا ليس معصوما، فقد سرق مني على شاطئ البحر، دخلت المياه وتركت الحقيبة بالقرب من أسرة عربية كانت تحت مظلة على الشاطئ، عندما عدت لم أجد الحقيبة، سألت الأسرة العربية عن الحقيبة التي كانت هنا؟ فقال الرجل: أخذها شاب قبل دقائق ظننته رفيقك!
-يا ابن الحلال.. رفيقي يأخذ حقيبتي ويختفي؟ لماذا لم تسأله؟؟
-لقد ذهب إلى ذلك الاتجاه، يرتدي «شورت» كحليا…
رحت أبحث وأبحث، واكتشفت أن عشرات الحقائب تشبه حقيبتي، ومعظم الرجال على الشاطئ بالشورت الكحلي، هذه أول مرة يحدث لي مثل هذا، ولكن دائما توجد مرة أولى، ومن الآن فصاعدا يجب الحرص أكثر.
أعلمت شرطة الشاطئ، فقدموا لي وصفا دقيقا لشخص يمارس هذه الهواية، وهناك احتمال أن يكون هذا من نشاط سيدة روسية سمينة وزوجها.
في المحصلة، ضاعت الحقيبة والهاتف، وملابسي، ومفتاح السيارة، ومبلغ صغير من النقود، وبطاقتي الشخصية وبطاقة اعتماد، يجب العمل الفوري على إلغائها.
خلال دقائق، اكتشفت أن حياتنا باتت مرتبطة بهذا الجهاز الصغير، الذي يحوي جميع أرقام أبناء الأسرة والأصدقاء والأقارب والجيران وزملاء عمل، ومئات الصور التذكارية منذ سنوات، وتسجيلات صوتية، وأفلاما قصيرة، تخصّني في مناسبات عزيزة ونشاطات عديدة.
حاولت تذكر رقم هاتف أحد الأصدقاء كي أطلب المساعدة، فأنا على الشاطئ، ليس معي شيء غير لباس البحر الذي أرتديه.
لم أستطع تذكّر رقم صديق ولا أرقام الأبناء، اكتشفت أنني أحفظ أجزاء منها، البداية دون النهاية أو العكس، أو أنني أخطئ في ترتيبها، الرقم الوحيد الذي تذكرته كاملا هو رقم زوجتي. اتصلت بها من هاتف شاب من أبناء القرية عرفني قبل أن أعرفه، التقيته على الشاطئ، أخبرتها بما حدث، وطلبت منها أن ترسل أحد الأبناء مع مفتاح السيارة الاحتياطي.
الأبناء في العمل، وهذا سيستغرق وقتا.
لم نعثر على مفتاح السيارة الاحتياطي، وهذا تطلب استدعاء مختص في فتح الأقفال، وصناعة مفتاح جديد، كان النهار مكلفا، وفيه بعض العبر، منها ما يخص الورق والقلم، فنحن ما زلنا بحاجة إليهما، لتسجيل بعض الأرقام والمعلومات المهمة، كي لا نفقدها في خطأ إلكتروني، أو إذا فقدنا الهاتف وما يحمله من ملاحظات.
اقتينت هاتفا جديدا، واستعدت بعض أرقام الاتصال المسنودة، ولكن بقيت كلمات السّر مفقودة، وكان عليّ تجديد ما نسيته، هذه المرة رأيت أن كلمة sarakoona تستحق أن تكون كلمة السّر المركزية في سلسلة كلمات السِّر الجديدة مثلا (سَرقونا + قرنبيط 24).

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رسيله:

    (تكمله خامسه ) وخلال النوم يتباطأ نشاط الخلايا العصبية المسؤولة عن النسيان مما يساعد في تشكيل ذكرياتنا بشكل أفضل، وقد لاحظ العلماء في تجربة أجراها لانس كريجسفيلد، أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا، على الهامستر للوقوف على تأثير تأخير النوم على الدماغ، وكشفت التجربة معاناة الحيوانات التي عانت من عدم انتظام النوم من نقص في الانتباه، ولم تعد الدماغ لطبيعتها حتى بعد مرور شهر على عودتها للنظام الطبيعي.كما كشفت التجربة عن وجود نصف الخلايا العصبية لدى هذه الحيوانات مقارنة بالأخرى التي لم تتعرض للتجربة، وهو ما يعني أن العديد من الخلايا الجديدة لم تقم بعملها بشكل طبيعي أو أنها ماتت قبل الأوان.
    ثالثا: استمتع بفيسبوك ولكن أوقف الإشعارات
    فمواكبة التكنولوجيا أمر حيوي يصعب الاستغناء عنه ليبقى دماغنا نشطا، ولكن علماء الأعصاب ينصحون بالتخلي عنها أحيانا والقيام ببعض التمارين البسيطة لاختبار ذاكرتنا وتنشيطها؛ حين تقف في إشارة المرور حاول أن تتذكر الاتجاهات والشوارع مثلا. كما ينصح العلماء بأن نُبقي عقولنا في حالة تعلم متواصل؛ لغة أو مهارة جديدة، وبناء علاقات اجتماعية جديدة القراءة والسفر بحيث تزداد الروابط بين الخلايا العصبية بشكل مستمر وهو ما يحفظ الذاكرة.( يتبع)

  2. يقول رسيله:

    ( تكمله سادسه ) رابعا: غير عاداتك
    فاعتيادنا على الأمور نفسها يؤدي بالعقل إلى حالة من السكون يتجه معها سريعا نحو الشيخوخة، ويقوم بمحو بعض الذكريات والتجارب والتشابكات بين الخلايا العصبية التي لم نعد في حاجة إليها، لكن تغيير بعض العادات حتى لو كان ذلك باتخاذ طريق مختلفة إلى العمل أو تغيير ترتيب الأشياء في المنزل يحفز الدماغ ويزيد نشاطها.
    خامسا :أن اتباع نظام غذائي يتضمن مضادات الأكسدة مثل زيت الزيتون والسمك والمكسرات والفواكه والخضروات والحبوب يعتبر خيارا مثاليا، وعلى العكس فإن التبغ والأطعمة الدهنية وتناول بعض الأدوية لفترة طويلة تسرق الذاكرة.
    سادسا : ابتعد عن القلق والتوتر
    في المستويات العالية من التوتر يفرز الجسم كميات من الكورتيزول والأدرينالين والنورادرينالين التي تنتشر في جميع أنحائه، وهذه الهرمونات تؤثر سلبا على الذاكرة، فحالة القلق تجعل من الصعب على الدماغ توليد ذكريات جديدة، إذ يكون في حالة من التركيز على كيفية التصدي للخطر الوشيك المحتمل،( يتبع)

  3. يقول رسيله:

    ( تكمله اخيره ) كما أشارت الدراسات أيضا إلى أن الإجهاد المزمن قد يتسبب في فقدان الذاكرة. لذا يُنصح باتباع نظام غذائي صحي واللجوء إلى تقنيات الاسترخاء والتدليك أو تأمل الطبيعة للحدّ من القلق.
    كاتبنا طرحك مخملي فيه فيضَ مَنَ الجَمــالْ الَذي سكبتهْ تلك الَـأنــاملْ الَاَلمَــاَسيَةَ ..! حروفك َ رَبيعٌ فاتِنْ ..وكلماتك تصل الي شغاف القلوب…لك من الابداع رونقه ومن الاختيار جماله، دام لنا عطائك المميز والجميل.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية