يجب ألا يصبح الموت آلة محو لأشخاص قدموا حياتهم قرباناً لقناعاتهم الفردية والجماعية. كثيرون من الجزائريين والعرب لا يتذكرون هذه الشخصية الفذة والاستثنائية، ليس فقط لأن محمد بودية كان مناضلاً شمولياً وعالمياً من سلالة تشي غيفارا، في زمانه على الأقل، لكنه كان فناناً كبيراً اشتغل في المسرح تمثيلاً وإدارة، وتسييراً إذ كان مديراً لمسرح الغرب في باريس، للمسرح الوطني بعد الاستقلال. عاش في المنافي حتى يوم اغتياله في باريس من طرف الموساد بتفخيخ سيارته بنفس طريقة اغتيال الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني.
ما يعيدنا إلى هذه الشخصية الإشكالية، الوثيقة التي نشرها المكتب الفيديرالي بوزارة خارجية سويسرا وعليها الختم المشمع «سري»، تحت رقم 39519. وعنوان الملف»Le Terrorisme palestinien: Genève, Vienne, Paris comme points d’appui». «الإرهاب الفلسطيني: جنيف، فينا، باريس كنقاط ارتكاز»، تتبعت هذه الوثيقة النادرة تحركات المناضل الجزائري محمد بودية عبر أوروبا، ودوره في تنشيط الكثير من الخلايا النضالية لصالح فلسطين حتى يوم اغتياله.
من هو هذا الرجل ذو الأوجه المتعددة كما يصفه التقرير؟ صاحب المائة وجه ووجه. هو بودية علي (وليس محمد، كما تقول الوثيقة السرية)، ولد في 24 فبراير/ شباط 1932. تزوج في يناير / كانون الثاني من 1968 إلى 1971. مدير «مسرح الغرب الباريسي»Théâtre de l’Ouest Parisien» في باريس، يقيم في 29 شارع بوانود، الطابق الرابع، مواطن من جنسية جزائرية. أثناء تنقلاته بين فيينا وجنيف، اختار أسماء مستعارة كثيرة: بوايي موريس أندريس مولود في 20 سبتمبر/ أيلول 1931 في افينيون. بيرتان رولان، ولد في 16 يناير 1931، وفي جوازه الفرنسي فقد ولد في 16 نوفمير 1930، تحت رقم 387، بتاريخ 16 يوليو/ تموز 1968. إضافة إلى أسماء كثيرة مثل بيرتان بيير، روبيرت، رودريغ، روجي، سعيد بن أحمد، ولد في 1935 في المغرب رقم الجواز 12479/737، أبو خليل، أبو خالد، بيتانشان، كان اسمه بين رفاقه السويسريين المناصرين للقضية الفلسطينية: رودريغ بيرتان». ويشير الملف إلى تكوينه في الجزائر. فبعد المدرسة الابتدائية، التحق بودية بالمركز الجهوي للفنون الدرامية في العاصمة الجزائر. ثم بين 1953 إلى 1955 التحق بالخدمة العسكرية في العاصمة ثم في ديجون. ثم اشتغل ممثلاً في مؤسسة البث الإذاعي والتلفزيوني الفرنسية ORTF، في باريس. وكان ينشط أيضاً مع فرقة مسرحية جزائرية في الضاحية الباريسية. تركز الوثيقة أيضاً على نشاطه السياسي في الحركة الوطنية الجزائرية. التحق بالثورة في 1957 ليصبح مسؤولاً عن الخلية الباريسية قبل أن يُبعث إلى مرسيليا وكان تحت قيادته أكثر من 3000 مناضل. كان يجمع الأموال للثورة الجزائرية، ورأس حربة في كل العمليات التي تحتاج إلى جرأة، لكنه أوقف في 9 سبتمبر 1958 من طرف الشرطة الفرنسية التي وجدت في بيته أسلحة. حكم عليه بـ 20 سنة سجناً مرفقة بالأشغال الشاقة، بتهمة الخيانة والتواطؤ مع قوى معادية، لكنه تمكن من الهرب في 10 سبتمبر 1961. عيّن بعد الاستقلال مباشرة مديراً للمسرح الوطني في سنة 1963، قبل أن يُكلِّفه انقلاب العقيد هواري بومدين ضد ابن بلا في 1965، السجن والمنافي حتى الموت. فقد حوكم في وطنه بتهمة الخيانة: نحن فوضيل عبد القادر، رئيس الدورة العادية الرابعة من سنة 1970، وفي المحكمة الجنائية للجزائر العاصمة، وبناء على التهم المنسوبة للجاني بتاريخ 29 يونيو / حزيران 1970 رقم 197، ضد المسمى يودية محمد بن علي بن سعيد وشلال خدوجة، مولود في 24 فبراير 1932، بجنسية جزائرية والمدير السابق للمسرح الوطني الجزائري، في حالة فرار منذ 16 يوليو 1967، متهم بتكوين مجموعة من المجرمين ومحاولة اغتيال…» فقد كان من أهم الذين بادروا بإنشاء المسرح الوطني وأعطوه حضوراً حقيقياً في الحياة الثقافية». بوديه كان من أنصار مسرح وطني ملتزم، يلعب دوراً تكوينياً وحيوياً مثلما هو الحال في الدول الاشتراكية»، وقد صبغ هذا التوجه المسرح الوطني في عمومه بهذه الصفة السياسية التي لم يتخلص منها إلا في السنوات الأخيرة. فقد ظل مناصراً لكل حركات التحرر الوطن، النضال الفلسطيني على وجه الخصوص. كان صاحب المبادرة الرمزية التي قرر بموجبها تخصيص مداخيل الموسم الصيفي للمسرح عام 1964، دعماً لكفاح الشعب الفلسطيني. علاقة محمد بودية المباشرة والجدية بالقضية الفلسطينية بدأت في كوبا، خلال لقائه بوديع حداد، المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ وبعد هذا اللقاء وضع خبرته النضالية في خدمة النضال الفلسطيني، ثم عاد إلى باريس في مطلع السبعينيات بصفته قائداً للعمليات الخاصة للجبهة الشعبية في أوروبا، متخذاً اسماً حركياً جديداً: أبو ضياء. أول عمل قام به هو التنسيق مع الجماعات اليسارية الأوروبية؛ فقد كان المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أوروبا في مطلع السبعينيات.
بعد الخسائر الفادحة، أمرت غولدا مئير، رئيسة الحكومة وقتها، بالانتقام من مرتكبي عملية ميونيخ. شُكلت لجنة وزراء مكونة من غولدا مايير، ووزير الدفاع موشيه ديان، ووزير الخارجية يغئال ألون، وإسرائيل جليلي، وهو وزير بلا حقيبة والممسك بخيوط اللعبة، وأهارون ياريف ورحبعام زئيفي، كمستشارين لرئيسة الحكومة للاستخبارات، ورئيس الموساد تسفيكا زمير، وكان القرار النهائي هو الحكم بالإعدام ضد الذين كانوا وراء عملية ميونيخ. وتم تجميع وتجنيد أفضل ضباط المخابرات العسكريين، ومنهم شموليك غورين، وباروخ كوهين، وتصادوق أوفير، ورافي سيتون، وغايزي تسفرير وآخرون. كانت القيادة تضم مايك هراري رئيس الوحدة التنفيذية، وشموليك غورين رئيس «كيشت»، وحدة تجميع الاستخبارات، وناحوم أدموني رئيس «تفيل»، المسؤولة عن العلاقات بالجهات الاستخبارية الأجنبية. لم يكن الأمر ثانوياً، لكن جهز له كما يجب ومن طرف دولة. لنقرأ ما قاله إيتان هابر، رئيس ديوان رابين سابقاً في جريدة يديعوت أحرونوت بتاريخ 3-10-2005: كان محمد بودية إرهابياً حقيقياً. كان أحد أفراد جبهة تحرير الجزائر. سُجن في فرنسا لثلاث سنين، وأدار بعد إطلاق سراحه مسرحاً صغيراً في باريس. وكان رجل نساء. في 1972 تطوع بودية لمساعدة الفلسطينيين، وأرسل إلى إسرائيل جماعة مخربين: ايفلن بارج، التي كانت المسؤولة عن صندوق مسرحه وعشيقته خارج ساعات العمل، والأختين ناديا ومارلين برادلي، وزوجين مسنين من الناس الغامضين. عندما وصلوا إلى المطار في اللد، لم يوجد في حقائبهم أي شيء يثير الشبهة: فقد وجدت ملابس، وأحذية، وأدوات استحمام وقطن. لكن المحققين اكتشفوا أن الملابس والقطن، كلها قد تغلغلت فيهما مادة متفجرة سائلة جُففت. جلب زوجا الشيوخ معهما مُفجِّرات في مستقبِل راديو، وكان وصلها بالملابس المُشربة بالمادة المتفجرة سينتج عدداً من القنابل. لقد كانوا ينوون وضعها في فنادق في تل أبيب. في التحقيق معهم، قاد المعتقلون المحققين إلى بودية». وأدرك بودية أنهم يبحثون عنه، وعليه أن يغير من عاداته. لقد بدّل كمدير للمسرح الهويات والملابس والعناوين على عجل. كان تتبعه صعباً جداً. عندما كانوا على شفا اليأس، قرر الموساد ترصد بودية في الممرات تحت الأرض للمشاة… وقد حدث ما لا يُصدق: لقد وُجد. ومنذ تلك اللحظة، لم يتركوه. بعد مضي بضعة أيام استيقظ بودية عند إحدى صديقاته في باريس. أكل فطوره، وشرب القهوة، ولبس، ونزل إلى سيارته للذهاب إلى مهامه. وعلى الرغم من حرصه، فقد وصلته يد القتلة بزرع لغم تحت مقعد سيارته، الرونو 16 الزرقاء اللون التي كان يملكها، في صباح 28 يونيو 1973 أمام المركز من الجامعي لشارع فوسي برنار في باريس. من يتذكر اليوم هذا البطل والفنان الذي منح حياته كلها خدمة للقضية الفلسطينية؟
نعم نذكره ونعرف بطولاته..فهي امتداد لبطولات الثورة الجزائرية جسّدها الشهيد في المقاومة الفلسطينية في باريس ضد الكيان الصهيوني.لو فعلها الآخرون مثله، فالواجب أن رسالة المقاومة العربية لا تتوقّف ضد عملاء الموساد في كل مكان فالصراع طويل؟
المهم انه بطل و شهيد فلسطين و سجل اسمه في التاريخ و أذل الصهاينة الذين يبقوا يعيشون الرعب
في كل مكان و زمان لأنهم مجرمون حتى يبعث الله
من يقضي عليهم و يحرر أرض فلسطين الطاهرة من
دنسهم. عاشت فلسطين و الموت لإسرائيل.
الشعب الجزائري من الكبار
ربما سيتذكره وزير قتلة اطفال ونساء غزة في مراكش او الرباط او طنجة حيث يحتسي الشاي المغربي
لقد خدعته سورية تعمل للمخابرات الإسرائيلية كانت تنشط معه في باريس هي من فخخت سيارته هربت برفقة الكومندوس الإسرائيلي مباشرة بعد العملية لكن لحق بهم كومندوس جزائري بأثينا وتم القضاء عليها ومرافقيها في سفينة خاصة كانت بصدد تهريبهم لإسرائيل ماعدى نجاة عضو واحد من الموساد لم يكن بالسفينة تخلف عن الركاب.
للأسف ذهبت اسماء الشرفاء ولم يبق لنا الا اسماء الخونة والعملاء.
عضو الموساد الذي نجى من الموت هو ايهود باراك.
كثير من الابطال الشجعان ،من مثل المناضل الشهيد بوديبة ،تم ويتم التعتيم عليهم ،فولا هذه المقالة ما تعرفت على هذه الشخصية القوية التي وهبت نضالها لقضية تحرير الجزائر ،والنضال من أجل فلسطين. له مني دعاء الرحمة لروحه المناضلة إلى آخر لحظة من حياته المليئة بالعبر.
(من يتذكر اليوم هذا البطل والفنان الذي منح حياته كلها خدمة للقضية الفلسطينية؟) اه
وحتى لو تم اليوم فعلا تذكر “هذا البطل والفنان الذي منح حياته كلها خدمة للقضية الفلسطينية”، ماهي النتيجة الآن بعد كل هذا ؟؟
{{بعد مضي بضعة أيام استيقظ بودية عند إحدى صديقاته في باريس. أكل فطوره، وشرب القهوة، ولبس، ونزل إلى سيارته للذهاب إلى مهامه. وعلى الرغم من حرصه، فقد وصلته يد القتلة بزرع لغم تحت مقعد سيارته، الرونو 16 الزرقاء اللون التي كان يملكها، في صباح 28 يونيو 1973 أمام المركز من الجامعي لشارع فوسي برنار في باريس}} انتهاء
هذا كله في حقيقة الأمر يذكِّرني بكتابة سيناريو فيلم من أفلام “الإثارة والآكشن” الغربية الأوروبية (وخاصة الفرنسية) التي كانت شائعة وسائدة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي – كل شيء وارد ومحتمل في هذا الزمان