قبل هذه الرواية، «البيت الأندلسي»، التي نقلها إلى الفرنسية مارسيل بوا، بالتعاون مع المؤلف؛ تُرجمت للروائي الجزائري واسيني الأعرج ثمانية أعمال روائية: «حارسة الظلال»، «مرايا الضرير»، «نوّار اللوز»، «شرفات بحر الشمال»، «مضيق المعطوبين»، «كتاب الأمير»، «سيدة المقام»، و«سوناتا لأشباح القدس». والأعرج، إلى هذا، أستاذ كرسي في جامعتَيْ الجزائر المركزية والسوربون في باريس، ويُعتبر أحد أهمّ التجارب الروائية الناجزة في الوطن العربي، المنفتحة على أفق إبداعي إنساني. أعماله تنتمي إلى المدرسة الجديدة التي لا تستقر على شكل واحد، بل تبحث دائماً عن سبلها التعبيرية بالعمل الجادّ على اللغة وهزّ يقيناتها.
ومن مستهلّ الأصل العربي للرواية، هذه الفقرات: «كل شيء بدأ من تلك اللحظة الغامضة التي خرجت فيها من الصف الطلابي، ورجعت ركضاً صوبه بعد أن كان عمي مراد باسطا (كنت اناديه عمي، وعندما كبرت قليلاً، قال لي ناديني باسمي أحلى) قد شرح لنا قصة البيت الأندلسي، وأظهر لنا المخطوطة ذات الرائحة الغريبة التي ظلت عالقة بأنفي، لأني شممت فيها أيضاً رائحة أمي. ولا أدري ما هي القوة الخارقة التي دفعت بي يوم الحريق المهول الذي أكل البيت الأندلسي، إلى القفز من على ظهر الحائط الخلفي للحديقة، والانزلاق من النافذة من الكوة الصغيرة، لأجد نفسي في عمق دار الخدم التي سكنها دائماً عمي مراد باسطا، وسحب المخطوطة من مكانها الذي كنت أعرفه جيداً، بعد أن اشتعلت النار في ألبستي الخفيفة. أعتقد أنني كنت الوحيدة بعد مراد باسطا وربما حفيده سليم، من كانت تعرف مكان المخطوطة السري. هو الذي نبهني إلى مكانها، وهو لا يدري أنه سيأتي يوم وأضطر فيه لإنقاذها من نهاية مفجعة. وكأنّ الحرائق لا تجلب إلا الحرائق، فقد أنقذتها هذه المرة أيضاً من يديه اليائستين المرتجفتين فأحرقت أصابعي معها، عندما أشعلها بنفسه في لحظة غياب كلي. لم أشعر بالألم إلا عندما مزق قميصه من على ظهره ولفّ به أصابعي التي انتفخت فجأة. واضطررت وقتها للتغيب عن المدرسة حتى شُفيت. لا أدري يومها ماذا حصل لي عندما وضعت يدي على كتفيه، لكنني رأيت في عينيه غزالاً مذبوحاً وذئباً يستيقظ بعد طول غفوة حينما صرخ صرخة مؤذية ما تزال إلى اليوم في رأسي».
Sindbad/ ACTES SUD, Paris 2017.
Adania Bidayat Laredj Ritsos